السودان: الشرطة تصف المتظاهرين بـ «المدرّبين عسكريا»… والمعارضة تحذر من تصاعد العنف
الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعلنت تنسيقيات لجان مقاومة بحري، شرق الخرطوم، الأربعاء، التصعيد وإغلاق المدينة بشكل كامل بالمتاريس، ردا على قمع السلطات لتظاهرات الثلاثاء. وفيما طالبت الشرطة بفرض إجراءات استثنائية تمكنها من مواجهة ما وصفتها بـ«القوات المدربة ذات التشكيل العسكري»، في الاحتجاجات، اعتبرت قوى «الحرية والتغيير» أن ذلك «تهديد واستمرار للعنف وتبرير له».
وقالت اللجان في بيان إنها «لن تغلق الجسور النيلية الرابطة بين مدن العاصمة الخرطوم، كما تفعل السلطات، بل ستغلق كامل مدينة بحري بشوارعها وحواريها»، مؤكدة أنها «ستكون محرمة على الانقلابيين حتى سقوط الانقلاب».
وأكدت أن السودانيين «يسيرون بعزم وإصرار نحو النصر الأكيد لتحرير البلاد من حكم» من أسمتهم بـ«الميليشيات»، وأنهم «لن يتراجعوا أو يستسلموا في منتصف الطريق».
وشيع المئات عضو لجان المقاومة أبو القاسم أسامة (20 عاما) الذي سقط خلال قمع الأمن لتظاهرات الثلاثاء، إلى مقابر البكري في أمدرمان.
وبينت نتائج التشريح إصابته بمقذوف ناري في الرأس وآخر في الصدر، أدى إلى تهتك الرئة والشريان الأورطى وأحدث نزيفا داخليا تسبب في الوفاة، فضلا عن وجود آثار عربة على صدر القتيل، حيث قامت مدرعة عسكرية بدهسه، حسب بيان لمجموعة «محامو الطوارئ» الناشطة في تقديم العون القانوني لضحايا الانقلاب.بينما أكد المدير التنفيذي لمنظمة «حاضرين» الناشطة في علاج مصابي الثورة السودانية، ناظم سراج، اعتداء قوات نظامية على سيارة إسعاف تابعة لمستشفى الأربعين في مدينة أمدرمان، غرب الخرطوم، وقيامها بضرب الطاقم الطبي وتهشيم السيارة خلال التظاهرات.
والثلاثاء، خرج عشرات الآلاف من السودانيين في تظاهرات حاشدة بالتزامن مع ذكرى انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مجددين رفضهم للحكم العسكري ومطالبتهم بالحكم المدني الديمقراطي.
إجراءات استثنائية
وبينما نددت المعارضة بسقوط قتيل برصاص القوات النظامية، وارتفاع عدد ضحايا الانقلاب إلى 119 قتيلا، معظمهم بالرصاص وإصابة نحو 7000 آخرين، طالبت الشرطة السودانية وزارة العدل والجهاز التشريعي بفرض إجراءات استثنائية تمكنها من مواجهة ما وصفتها بـ«القوات المدربة ذات التشكيل العسكري» في التظاهرات.
وأكدت على ضرورة تلك الإجراءات من أجل «حسم الفوضى وردع وتقديم الجناة للعدالة الناجزة والمحاكمات الإيجازية في مواجهة الجرائم ضد الدولة وحيازة الأسلحة والمخدرات وإيواء المتفلتين لبسط هيبة الدولة وإحكام سيادة القانون حفاظاً على أمن الوطن والمواطن».
وقالت إنها بالإشارة للحراك المعلن صباح الثلاثاء «التظاهرات»، قامت قوات الشرطة «بتنفيذ خطة لجنة شؤون الأمن في العاصمة، وذلك بنشر القوات لتأمين المواقع الاستراتيجية وحماية المواكب السلمية وفق التعليمات التي صاحبت الخطة والإرشادات والتحذيرات التي وجهت للمواطنين».
وبينت أنها «تابعت التجمعات من الأحياء في القطاعات الثلاثة (الخرطوم ـ بحري ـ أمدرمان) حتى وصولها للمواقع الفاصلة المحيطة بالمواقع الاستراتيجية، مما حدا بالقوات النظامية للتعامل مع التظاهرات بالغاز وخراطيم المياه بحضور المراقبين والمستشارين المنتدبين من النائب العام ووزارة العدل»، وفق بيان للشرطة.
وأضافت أنها «أدركت منذ بداية التظاهرة أنها تتعامل مع قوات مدربة بتشكيلات عسكرية مسلحة تتبنى العنف والتخريب وتحمل أعلاما بألوان (أحمر ـ أصفر ـ أسود ـ أزرق) وشعارات تدعو للعنف بزي موحد لكل مجموعة (فنايل ـ خوز ـ كمامات قفازات ـ نظارات) ويحملون أدوات كسر وقطع وتتبعهم دراجات نارية مجهولة، وتسليح كامل وموحد بالدرق والغاز والملتوف والخوازيق المصنعة وحقائب في الخلف».
«التدمير والتخريب»
ووفق البيان «قادة الجماعات يوجهون ويصدرون التعليمات للمجموعات بأسلوب الكر والفر وقطع الطرق والاعتداء على المواقع العسكرية بصورة متكررة داخل حرم المنطقة العسكرية بعتادهم (المستشفى العسكري والمرضى)، وأنها تتبنى العنف وتعتدي على مركبات الإطفاء وتمنعها من أداء واجبها»، مؤكدة أن ما ذكر يدل على أنهم «غير مدنيين».
وقالت الشرطة كذلك إن «المواكب خلت من الأعلام والشعارات الحزبية والسلمية مع غياب الذين دعوا للحراك لتحمل المسؤولية».
طالبت بإجراءات استثنائية لمواجهتهم… و«الحرية والتغيير» تحدثت عن تبرير للقمع
واعتبرت أن «إصرار المتفلتين على التدمير والتخريب، يدل على المؤامرة وانتمائهم لجماعات وتنظيمات غير مشروعة لا تريد الإعلان عن نفسها»، مضيفة: أن «ما حدث يؤكد معلوماتنا بوجود جماعات منظمة ومتمردة ومتفلتة وخلايا نائمة تستخدم السلاح الأبيض والناري وعبوات ناسفة تستهدف أمن العاصمة تحت تأثير المخدر والمواد السامة وجدت ضالتها في المواكب وتعمل لتحقيق أهدافها تحت غطاء سياسي».
وأكمل البيان: «تؤكده سجلاتنا الجنائية للجرائم والمضبوطات خلال العام الماضي وهو واقع بشهادة الجميع، وعلى مرأى ومسمع المنظمات الإقليمية والدولية وممثلي دول العالم أننا نناشد قادة الحراك بتحديد موقفهم من هؤلاء الذين يدعمون التفلت والخراب وتدمير الممتلكات وزعزعة الأمن وبين الاحتجاج السلمي والتنظيم الحزبي المشروع للمساهمة في حفظ الأمن والاستقرار».
اتهام مردود على السلطة
في المقابل، اعتبر المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» بيان الشرطة الذي «اتهم التظاهرات السلمية المناهضة للانقلاب بأنها تتضمن تشكيلات عسكرية ومجموعات منظمة مسلحة، اتهاما مردودا على سلطة الانقلاب التي ظلت تستخدم كل أنواع العنف المفرط والقمع والقتل بالرصاص الحي والمتناثر والدهس»، مشيرة إلى أن «كل ذلك مثبت عبر التوثيق المستمر من قبل وسائل الإعلام والصحافة على مدى عام كامل من الانقلاب العسكري».
وندد بسقوط قتيل في أمدرمان، خلال قمع السلطات لتظاهرات الثلاثاء، مشيرا إلى أن «القمع المفرط هو مسلك درجت عليه الأجهزة الأمنية والعسكرية خاصةً الشرطة التي ظلت توظف لمنسوبيها كل الإمكانيات وتمنحهم الإذن لارتكاب تجاوزات وانتهاكات وأعمال عنفٍ طيلة سنة كاملة».
تهديد
ولفت إلى أن البيان الذي أصدرته الشرطة بمثابة «تهديد واستمرار للعنف والتبرير له، ووضع إطار له من خلال مؤسسات السلطة الانقلابية وأجهزتها الأمنية والعسكرية»، مشيرا إلى أن «هذا الانقلاب فشل تماماً منذ يومه الأول في تشكيل أي حكومة، وأن الحديث عن الجهاز التشريعي في البيان، هو طلب لاستصدار قرارات من داخل سلطة الأمر الواقع المتمثلة في مجلس سيادة الانقلاب، لمنحهم ضوءا أخضر لرفع وتيرة العنف والإفلات من العقاب».
وأضاف: «جرائم القوات النظامية ضد المتظاهرين موثقة وستتم محاسبة مرتكبيها والقصاص منهم لا محالة»، داعيا القوى المناهضة للانقلاب للاستمرار في تنويع آليات المقاومة المدنية والسلمية المختلفة من خلال تسيير المواكب السلمية والاحتجاجات وتوحيد الجهود والعمل المشترك لتحقيق المطالب وأهداف الثورة.
وحسب المجلس، مواكب مليونية 25 أكتوبر/ تشرين الأول، التي انتظمت في مدن وقرى السودان المختلفة، أثبتت مرة أخرى أن «السلطة الانقلابية التي استولت على الحكم منقلبة على الثورة فاقدة للسند والتأييد الشعبي»، وأنها «مرفرضة من الشعب السوداني رفضاً تاماً».
وشدد على أن «المقاومة السلمية وآلياتهِا المدنية تفرض حصاراً مُحكماً على سلطة الانقلاب تجعلها تتجه لاستخدام العنف المفرط والقمع والقتل دهساً وبإطلاقٍ عشوائي للرصاص».
وأكد «التمسك بموقفه المعلن في الرؤية السياسية المفصلة بالسعي مع جماهير الشعب الرافضة للانقلاب لإسقاطه وإنهاء سلطته عبر الضغط الجماهيري وآليات المقاومة المدنية والسياسية والضغط الإقليمي والدولي بالإضافة إلى الحل السياسي المُفضي إلى تأسيس وضع دستوري جديد يُحقق مطالب الثورة والحركة الجماهيرية بتسليم السلطة للمدنيين كاملة».
وبيّن أن أي «حل سياسي يجب ينجز مهام تفكيك نظام الإنقاذ، واسترداد الأموال العامة وإصلاح المنظومة العدلية وإصلاح وهيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية ودمج قوات الحركات المسلحة والميليشيات في جيش مهني قومي واحد، وإصلاح مؤسسات الدولة المدنية وتحقيق العدالة والمحاسبة والسلام، موضحا أنها المطالب التي رفعتها الحركة الجماهيرية بوضوح ٍ في مواكب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، وأنه لا سبيل لإنجازها وصولاً لدولةٍ مدنية، وديمقراطية حديثة بسلطة مدنية كاملة قاعدتها القانون إلا بإنهاء هذا الانقلاب».
تبرير الفشل
أما حزب التحالف الوطني السوداني، فقد أكد أن بيان الشرطة «تبرير لفشل الخطة الأمنية لقادة الانقلاب»، وإذ أشار إلى مطالبة الشرطة بمنحها إجراءات استثنائية ميدانية وقضائية للسيطرة على الأوضاع، اعتبر أنها «غير قانونية ومفارقة للمهنية».
وحسب التحالف فقد «كان الأجدى بالبيان أن يطالب بإعادة ثقة الشعب في الشرطة ووقف الاستغلال السياسي لها وإطلاق يدها للكشف عن قتلة المتظاهرين السلميين عوضا عن تدوين تلك الجرائم ضد المجهول المعلوم والذي طال الزمن أو قصر سيمثل أمام القضاء ويتلقى الجزاء العادل لما اقترفته يداه من جرائم».
وحذر السلطات «من الشروع في أي إجراءات تبيح وتبرر التمادي في العنف»، مشددا على أن «أي إجراء يتخذ، وما يترتب عليه من نتائج، هو بمثابة اشتراك للسلطة الحاكمة بالفعل المباشر في أي تجاوز أو انتهاك ينتج عن هذه الإجراءات».
وكان القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد أكد في تصريحات سابقة، أن القوات النظامية لديها أوامر واضحة بعدم التعرض للمتظاهرين، نافيا أن تكون قواته أو قوات «الدعم السريع»، وراء مقتل المتظاهرين، وأن عناصر من الشرطة ربما قامت بذلك بشكل منفرد.
خطاب كوميدي
وفي السياق، قال القيادي في «الحرية والتغيير»، رئيس حزب «المؤتمر السوداني» عمر الدقير «إن من أسوأ ما يمكن أن يفعله فرد، أو مؤسسة، هو أن يتمادى ويقتحم مشاعر الحزن والأسى ـ التي تَسبّب فيها – بخطاب كوميدي بائس يتغافل عن الحقائق ويفتقر إلى التماسك»، مشيرا إلى أن ذلك بالضبط ما فعلته قيادة الشرطة عبر بيانها.
وأشار في منشور على حسابه في فيسبوك، إلى أنها «لم تبدِ أي اكتراث لقتيل تظاهرات الثلاثاء الذي قضى نَحْبه ثم دهسته بإحدى سيارات قوات الاحتياط المركزي التابعة للشرطة، وأنها لم تكترِث كذلك لدماء العديد من الجرحى الذين أصيبوا جرّاء القمع المفرط الذي مارسته ومعها بقية الأجهزة الأمنية، ولكنها مع كل ذلك الدم المسفوك طلبتْ فرض إجراءات استثنائية تتيح لها ممارسة المزيد من القمع الدموي». وأرفق منشور لعضو لجان المقاومة القتيل، أبو القاسم أسامة والذي قال فيه «أتمنى أن أسمع صوت آخر صوت رصاصة في بلادي حتى وإن كانت على عنقي».
وكتب الراحل في منشور في صفحته على فيسبوك، قبل ساعات من مقتله: « قد تكون هذه الليلة الأخيرة لأحدنا وغدا (أمس الأول) نواجه آلة الجبن العسكرية، الله مولانا ومولاكم البرهان، فبئس العسكر كنتم ونعم الشباب كنا».
محاولة فاشلة
أما لجان مقاومة أحياء «الدناقلة شمال» في مدينة بحري، فقد شددت على أن «تضحيات السودانيين من أجل الحرية والعدالة لن تضيع، وأن الشعب سيواصل المقاومة حتى النصر، وصفت بيان الشرطة بـ«البائس»، مؤكدة أنه «محاولة فاشلة لتلفيق التهم للمتظاهرين السلميين وتبرير القتل والعنف المفرط الذي مارسته السلطات خلال مليونية الثلاثاء». واعتبرت ذلك «مؤشرا خطيرا لنية السلطات استغلال تلك المزاعم لجعل الحراك الشعبي السلمي يبدو وكأنه صراع مسلح حتى تستطيع ممارسة المزيد من الانتهاكات تحت غطاء حفظ الأمن».
وقالت إنها «ندرك تماماً ما وصفتها بالتدابير الخبيثة التي تعتزم السلطات القيام بها»، مؤكدة أنها لن تستسلم أو تتراجع حتى يتم تحقيق مطالب الثورة السودانية وبناء دولة المؤسسات التي تحميها قيم الحرية والسلام والعدالة».