حول الرِّق.. ماضيه ومآثره (18 من 19)
الدكتور عمر مصطفى شركيان
shurkiano@yahoo.co.uk
وفي الحين الذي كانت الأنظمة الحاكمة لا ترى غضاضة في دخول العرب إلى السُّودان، وبخاصة الأفواج السوريَّة والفلسطينيين، بل ومنحهم الجنسيات السُّودانيَّة والمستندات الثبوتيَّة الأخرى وسبل الإقامة وكل فرص العمل وغيرها، كانت الصفوة السُّودانيَّة والعربيَّة تستنكر وفود إثنيَّات من أصول إفريقيَّة إلى البلاد. ففي العام 1989م كتب غازي العريضي أنَّ “الجنوب الآن (1989م) يفتح أبوابه أمام دفعات كبيرة من الهجرة الإفريقيَّة-الزنجيَّة إلى أراضيه، ومن ثمَّ إلى التوغل العميق في أحشاء المدن السُّودانيَّة وعاصمتها الخرطوم، وفي آخر إحصاء رسمي لهذه الظاهرة فإنَّ ثمة 12% من مجموع السكان هم غرباء.” الآن ماذا هم فاعلون فيما تشهده البلاد من هجرة الآلاف من عرب تشاد والنيجر ومالي شرقاً إلى السُّودان، وبطريقة منتظمة ومبرمجة في سبيل أهداف سياسيَّة وعسكريَّة واقتصادية قصيرة وطويلة المدى لحكم البلاد، وذلك باسم ميليشيات الجنجويد في بادئ الأمر، وقوَّات الدعم السريع في نهاية الأمر؟
مهما يكن من شأن، فبرغم مما وجده هؤلاء الأرقاء في المسيحيَّة في نهاية الأمر فهذا لا يعني تفضيل المسيحيَّة على الإسلام في مسألة الرِّق والعنصريَّة، فكلاهما ساهما بصورة أو بأخرى في الاسترقاق وساما الأرقَّاء سوط العذاب، في مشارق الأرض ومغاربها، ثمَّ كلاهما استخدما العنصريَّة، واستعانا بالبراهين الديَّنية لشرعنة الرِّق. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الغرب المسيحي هو الذي تحرَّر من أغلال هذه الجريمة النكراء في نهاية الأمر، وقاد رجال مسيحيُّون حملة شعواء لتبيين وتبيان مساوئ الاسترقاق من الناحية الإنسانيَّة والأخلاقيَّة أوَّلاً، وكدُّوا في سبيل إلغائها سياسيَّاً وقانونيَّاً ثانياً، وأنشأوا منظمات خيريَّة لجمع المال من أجل تحرير العبيد ومساعدتهم ماديَّاً ثالثاً، ثمَّ سعت حكوماتهم عمليَّاً بما لديها من قوَّة عسكريَّة في تفويج قوَّاتها البحريَّة لمحاربة ومعاقبة النَّخاسة، وتدمير قواربهم وسفنهم التي كانت تمخر عُباب البحار لتصدير العبدان، وتحرير من في حوزتهم من رقيق رابعاً. كذلك سعت هذه الحكومات الغربيَّة سعياً حثيثاً في سبيل تخليص الإنسانيَّة من مآثر الرِّق المباشرة بالاعتذار عما قام به أسلافهم.
أما في البلاد العربيَّة فقد قاتل شيوخ الأزهر قتالاً مريراً من أجل استمرار تجارة الرَّقيق في مصر والعالم الإسلامي، وقاوموا بإصرار في أشدَّ ما يكون الإصرار محاولات الخديوي إسماعيل باشا من أجل تحرير العبيد، واتَّهموه بمعاداة الإسلام، وقد قال جلَّ جلاله: “قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (البقرة: 2/93). وقد وصف الباحث عماد هلال في كتابه “الرِّق والعتق في مصر في القرن 19″، الصادر العام 2014م، طرائق بيع وشراء العبيد في مصر، ومصادر جلب العبيد البيض (المستعمرات الشركسيَّة)، والعبيد السُّود (كردفان ودارفور)، والأوضاع القانونيَّة التي كانت تحدِّد طرق معيشتهم، وأساليب شرائهم وبيعهم، وكيفيَّة تحديد أسعارهم، والاختبارات التي كانت تُجرى لهم قبل شرائهم، وذلك للتأكُّد من خلوهم من الأمراض والعيوب الأخرى، وصلاحيَّة الإناث منهم لممارسة الجنس.
أما في السعوديَّة فقد ظلَّت تجارة الرِّق ممارسة حتى العام 1962م، وتمَّ إلغاؤها بعد ضغوط من الدول الغربيَّة، وكانت سوق الرِّقيق بجوار المسجد الحرام عند باب الدريبة وتُسمَّى الدكة. وكان يُعرض في هذه السوق العبيد من الجنسين الذكر والأنثى، منهم من كان يُجلب من الخارج، والبعض الآخر من الموجودين في مكَّة المكرَّمة استغنى عنهم سادتهم، وتجلس البنات والنساء على المقاعد اللاصقة للحائط، ويتحجبن البالغات بحجاب خفيف.
للمقال خلاصة،،،
Sent from my iPhone