استعراض تقرير أمريكي عن السودان بعنوان حاميها حراميها (2)
التقرير: سطا الجيش على حصة البنك المركزي ببنك أمدرمان الوطني وناور (حميدتي) عبر بنك الخليج
أصدر مركز الدارسات الدفاعية المتقدمة (C4ADS) ومقره واشنطن الأربعاء تقريراً بعنوان (حاميها حراميها: كيف تؤدي السيطرة العسكرية على الاقتصاد إلى إعاقة الديمقراطية في السودان) يصف نتائج بحثه حول بني وآليات الدولة العميقة التي رسخها نظام عمر البشير في السيطرة على الاقتصاد. في الحلقة الأولى تعرفنا على الدولة العميقة وكيف أنها تضم تحالفاً بين الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة، وتابعنا كيف استمرت تعمل أثناء الفترة الانتقالية بقيادة مدنية فلم تمس أصولها لجنة إزالة التمكين، ثم تمددت وازدادت تفوذاً بعد الانقلاب الذي أحبطت به التحول الديمقراطي في 25 أكتوبر 2021م، كما تعرفنا على منهجية التقرير التي تجاوز بها آليات التعتيم ليقدم أشمل رصد للشركات الخاضعة لسيطرة الدولة. في هذه الحلقة نستعرض دراسة حالتين، بالإضافة للخلاصة والتوصيات المقدمة للمجتمع الدولي.
(الديمقراطي)- رباح الصادق
دراسة حالتين
ليوضح كيف تعمل الدولة العميقة على المحافظة على نفسها وعرقلة الديمقراطية عبر السيطرة الاقتصادية، أجرى مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة دراسة حالتين بعنوان [جنود الشركات] و[مناورة الجنرال].
أولاً تطرقت دراسة حالة جنود الشركات لدور القوات المسلحة في الاستيلاء على عدد مهول من الاستثمارات الخيرية قامت عبرها وفقما زعم التقرير بسرقة مباشرة من البنك المركزي للاستيلاء على أسهمه في أكبر مؤسسة مالية (بنك أم درمان الوطني)، كما أنها بحسب ما ذكر تُطبق قبضتها على شركة (زادنا).
وثانياً أشارت دراسة حالة مناورة الجنرال لخمس مؤسسات مالية ذات صلة بجنرال الدعم السريع، لم تكن موثقة سابقاً، بما فيها بنك الخليج الذي يناور حميدتي عبره، بحسب التقرير، لكسر حلقة العقوبات على شبكة تجارته العائلية ذات البصمة العالمية:
جنود الشركات
يقول التقرير إن العديد من المؤسسات الخيرية التي تديرها القوات المسلحة السودانية، بما في ذلك صندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالقوات المسلحة، والهيئة الخيرية لدعم القوات المسلحة، وصناديق أخرى أصغر، تعمل على تشغيل شبكات متداخلة للشركات. وإن هذه المؤسسات هيمنت على القطاعات المالية والزراعية السودانية على مدى عدة عقود في الماضي.
ومع حل أحد الصناديق الرئيسية (الهيئة الخيرية لدعم القوات المسلحة) عام 2019 بسبب مزاعم الفساد، إلا أن أمواله قد خصصت لصندوق آخر يخضع لسيطرة القوات المسلحة السودانية (صندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالقوات المسلحة)، بحيث تم “دمج أكبر استثمارات القوات المسلحة بشكل فعال في محفظة واحدة كبيرة”.
صندوق الضمان الاجتماعي للقوات المسلحة دمج أكبر استثمارات الجيش في محفظة واحدة كبيرة
السرقة من البنك بشكل مباشرة
وفي السياق ذهب التقرير إلى أن القوات المسلحة السودانية استحوذت عبر شركاتها الخيرية على بنك أمدرمان الوطني مزيحة بنك السودان المركزي من ملكيته، حتى أنه وقع في قبضتها بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة 99.24%.
وقال إنه تم تقييم بنك أمدرمان الوطني في نهاية عام 2019م كأكبر مؤسسة مالية في السودان، فهو أكبر من جميع المؤسسات المالية العامة الأخرى في السودان مجتمعة.
حيث بلغت قيمته في سوق الخرطوم للأوراق المالية عام 2019 مبلغاً قدره 623,417,380 جنيهاً سودانياً (أي 13,715,182.36 دولاراً أمريكياً)، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف تقييم أي مؤسسة مالية أخرى في السودان في ذلك الوقت. ويشكل أكثر من 52% من تقييم جميع المؤسسات المالية العامة في السودان”.
استحواذ متدرج
وصف التقرير عملية استحواذ القوات المسلحة على البنك الذي كان في العام 2014م “يخضع في أغلبيته لسيطرة بنك السودان المركزي، الذي تسيطر عليه الدولة السودانية” وفقما ذكر.
تحديداً وفي الأعوام من 2016 إلى 2018، بدأت، العديد من الشركات التي تبدو خاصة -ولكنها تخضع في الحقيقة لسيطرة القوات المسلحة السودانية، تستحوذ على أسهم بنك السودان المركزي في بنك أمدرمان الوطني، بحسب التقرير.
كان بنك أم درمان الوطني خاضعاً لسيطرة البنك المركزي وفجأة باع أسهمه عام 2019!!
لكن الخبطة الكبرى تمت بعد سقوط البشير، فحسبما يقول التقرير: “فجأة، في عام 2019، باع بنك السودان المركزي ما تبقى له من أسهم في البنك والبالغة 752,853,410 سهماً، والبالغة إجمالاً 56.18% من ملكية بنك أمدرمان الوطني، لمجموعة من الشركات التي تبدو خاصة”.
وذهب التقرير إلى أن ذلك جرى مع التعتيم على سعر بيع أسهم بنك السودان المركزي، من خلال حظر التداول العام لأسهم بنك أمدرمان الوطني المباعة في سوق الخرطوم للأوراق المالية.
المساهمون الجدد
يقول التقرير إن أغلبية المساهمين الجدد في بنك أمدرمان الوطني والذين يبدون ظاهرياً من القطاع الخاص، هم في الواقع ملك لمؤسسات عسكرية أو خاضعون لها، وقد وضح ذلك في الشكل التالي:
وبتتبع المساهمين وجد التقرير أن الشركات الخاضعة للقوات المسلحة السودانية سيطرت على 73.5% من أسهم بنك أم درمان الوطني.
ولكن، لدى إضافة الأسهم المملوكة لشركات تابعة على الأرجح لهيئة التصنيع الحربي وأعضاء مجموعة جياد التابعة لها، تكون الشركات التابعة للجيش ممتلكة لـ85.5% من أسهم بنك أمدرمان الوطني في عام 2019م، وفقما ذكر.
علاوة على ذلك، مضى التقرير منقباً خلف المساهم الرئيسي الوحيد الذي يبدو أنه غير عسكري في البنك وهو “مؤسسة كرري الدولية للتربية والتعليم”، وقال إن مؤسسها هو “صندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالقوات المسلحة تحت اسمه السابق، الهيئة الاقتصادية الوطنية”.
وبالنهاية يزعم التقرير أن “المنظمات التابعة للجيش قد تسيطر على ما يصل إلى 99.24% من أسهم بنك أمدرمان الوطني”.
وخلاصة ما وصل له مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة من دراسة هذه الحالة مفاده أن سيطرة القوات المسلحة السودانية على بنك أمدرمان الوطني توضح “ديناميكية المؤسسات الخاضعة لسيطرة الدولة في السودان والطبيعة الراسخة لسيطرة الدولة العميقة”.
منظمات الجيش تسيطر الآن على 99.24% من أسهم بنك أمدرمان الوطني
إضافة أصول شركة زادنا
وصف التقرير شركة زادنا الدولية للاستثمار المحدودة، بأنها “تكتل سوداني كبير للزراعة والبناء، وجزء من شبكة المساهمين في بنك أمدرمان الوطني”، ويضيف: إنها “الحالة الوحيدة المعروفة التي يخدم فيها ممثلو قوات الدعم السريع مع القوات السودانية المسلحة جنباً إلى جنب في مجلس إدارة شركة”.
وقال إن شركة زادنا مملوكة بشكل مباشر وبنسبة 99% لصندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالقوات المسلحة.
علاوة على ذلك فقد زعم التقرير أن النسبة المتبقية وهي 1% مملوكة لشركة زادي للتجارة والمقاولات المحدودة التي تبدو خاصة، لكنها بدورها مملوكة بنسبة 99% لصندوق الضمان الاجتماعي الخاص بالقوات المسلحة، ما يرفع إجمالي سيطرة الصندوق الخاص للضمان الاجتماعي لزادنا إلى 99.99%.
زادنا هي الحالة الوحيدة التي يخدم فيها ممثلو الدعم السريع والقوات المسلحة معاً
ويوجد في شركة زادنا بحسب التقرير نفوذ كبير لممثلي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ، إذ تشمل إدارة الشركة (ممثلَيْن اثنين عن القوات المسلحة “المستشار القانوني والمستشار المالي للقائد العام”، ومدير هيئة التصنيع الحربي، وعبد الرحيم دقلو، نائب رئيس قوات الدعم السريع وشقيق حميدتي).
زادنا ولجنة ازالة التمكين
من ناحية أخرى فقد ذهب التقرير إلى أن الشركة التي حظيت باهتمام الدولة العميقة والقيادة المدنية للجنة إزالة التمكين خلال الفترة الانتقالية، قد عملت “على تجنب التحول المدني خلال المرحلة الانتقالية، ما يثبت مكانة الشركة المهمة في الاقتصاد السوداني”.
نتيجة لذلك فقد استولت لجنة إزالة التمكين على برجين من زادنا متهمة إياها بأنها استحوذت عليهما بطريقة غير مشروعة، الأمر الذي وجد معارضة حتى من داخل الحكومة الانتقالية.
ذلك أن وزير المالية جبريل إبراهيم طلب من اللجنة إعادتهما وبعض الأموال المستردة الأخرى لأصحابها، وفقما ذكر متحدث لجنة ازالة التمكين وجدي صالح في مقابلة على قناة الجزيرة في 4 ديسمبر 2021، وفقما جاء في التقرير.
من جهته أصدر صندوق الضمان الاجتماعي تعميماً طعن به في مزاعم لجنة إزالة التمكين بأن الشركة كانت وسيلة لغسيل أموال الجيش، كما قام برفع قضية تشهير ضد عضو اللجنة صلاح مناع والتلفزيون الوطني السوداني الذي بث المزاعم.
وفي سياق حديثه عن أهمية شركة زادنا وارتباطاتها بالدولة العميقة، تتبع التقرير إعلانها عن إقامة علاقة تجارية مع شركة فالمونت للصناعات الأمريكية، في مارس 2020م، وإبرامها عقداً معها لاستيراد 10,000 نظام ري محوري في السنوات الخمس المقبلة، ومن ثم زيارة ممثلين للشركة الأمريكية مقر زادنا بالسودان، واجتماعهم بعدها رفقة شركائهم السودانيين برئيس مجلس السيادة آنذاك، والذي قاد بعدها انقلاب أكتوبر الماضي، الجنرال برهان.
مناورة الجنرال
ذكر التقرير أن محمد حمدان دقلو (حميدتي)، جنرال قوات الدعم السريع، يتمتع بنفوذ متنامٍ وسيطرة اقتصادية ضخمة اهتمت بها استقصاءات سابقة منها تحقيق منظمة غلوبال ويتنس (Global Witness).
وبينما ركز تحقيق غلوبال ويتنس على “مشاركتهم في سوق الذهب في السودان ومشتريات قوات الدعم السريع“، وحدد ثلاث شركات مرتبطة بقوات الدعم السريع هي: “الجنيد، وتراديف للتجارة العامة، وجي إس كي أدفانس“. إلا أن مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة نقب عن شركات لم تعرف ارتباطاتها بشبكة حميدتي.
وفي السياق أشار التقرير إلى اكتشافه خمس شركات لم يتم توثيقها سابقاً ضمن شبكة حميدتي، من بينها شركة إسناد، وبنك الخليج، الذي يسيطر على 58.28% منه، ويناور عبره لاختراق النظام المالي العالمي.
يقول التقرير إن شركة إسناد الهندسية “مملوكة مباشرة لأشخاص من عائلة حميدتي”، ولها علاقات تجارية مع شركة ميرو غولد، “التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات بسبب ملكيتها من قبل جهات روسية خبيثة” وفقما ذكر التقرير.
أما بنك الخليج فهو “مؤسسة مالية لها علاقات مصرفية دولية ثانوية في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي”، وقد ركز التقرير عليه باعتباره وسيلة الجنرال في المناورة، بحسب ما يفهم منه.
بنك الخليج
قال التقرير إن البنك الذي افتتح في العام 2013م، كان بالشراكة مع شركات في السودان والإمارات واليمن. ثم وصف كيف أنه خلال الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين، وفي سبتمبر سبتمبر 2020، “تحول مساهمو الخليج إلى مجموعة جديدة من الشركات السودانية والإماراتية”.
وأضاف: “يبدو أن العديد من هذه الشركات مرتبطة بعائلة حميدتي، كما تؤكد ذلك وثائق الشركة”.
ومضى التقرير قائلاً: “حسب الوثائق الرسمية، تمتلك شبكة حميدتي ما لا يقل عن 28.35% من أسهم بنك الخليج. ولدى احتساب الشركات الأخرى التي يُقال إنها تخضع لسيطرة شبكة حميدتي، قد يصل هذا الرقم إلى 58.28% ما يجعل شبكته تستأثر بأغلبية الأسهم”.
تحديداً، ذكر التقرير أن من بين المساهمين في البنك شركة الوديان السودانية (14.34%) والجيل القادم (14.01%) وكلتاهما لديهما صلات بأشخاص من عائلة حميدتي.
وشرح: “ورد اسمان من عائلة حميدتي في مجلس إدارة شركة الوديان السودانية، وهما موسى حمدان دقلو، وجمعة حمدان دقلو“.
ثم تابع: “الجيل القادم هي شركة إماراتية يملك منها عبد الرحيم حمدان دقلو ما نسبته 49% وهي النسبة القصوى المسموح بها في ملكية الشركات للمستثمرين الأجانب بموجب القانون الإماراتي في وقت تأسيس الشركة“.
ارتباط مور سكيور
من جهة أخرى وصف التقرير شركة مور سكيور، بأنها شركة أمنية خاصة مقرها السودان وقال إنها تحوز على 14.93% من أسهم بنك الخليج.
ومع أن التقرير لم يحسب نسبة مور سكيور ضمن نسبة شبكة حميدتي بالبنك، إلا أنه زعم بعد تحليل سجلات مجال شبكة الانترنت الخاصة بالشركة، أن لها علاقة بشبكة حميدتي.
ذلك أنه وصف كيف تم تسجيل النطاق الخاص بها [moresecure-sd.com] من قبل مستخدم، عماد شريف، وبريده الإلكتروني [omda@gsk-sd.com] بينما المجال [gsk-sd.com] يتبع لشركة جي إس كي أدفانس، التي يديرها القوني دقلو، شقيق حميدتي، وفقما ذكر.
علاوة على ذلك، فمن بين الـ(18) موقعاً التابعة لـ جي إس كي أدفانس، يقول التقرير، إن (12) منها متعلقة بشبكة حميدتي، بما في ذلك المجال الخاص بقوات الدعم السريع، والموقع الإلكتروني لشركة تراديف في هولندا والمرتبطة بقوات الدعم السريع.
وفي النهاية أورد التقرير رسماً توضيحياً لما وصفه بأنه مساهمة “حميدتي والعائلة” في بنك الخليج.
نقطة ضعف
ورأى التقرير أن مساهمة شبكة حميدتي في بنك الخليج تمثل نقطة ضعف في النظام المالي الدولي، قائلاً: “يقيم بنك الخليج علاقات مصرفية بالمراسلة مع بنوك في الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيطاليا“.
وأضاف: “وفقاً لمواقعها الإلكترونية، تحتفظ هذه البنوك التي تقوم بالمراسلة بشبكات تصل إلى سويسرا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة“.
والنتيجة في رأي التقرير هي أنه: “من شأن الاتصالات من الدرجة الثانية هذه مع بنك الخليج أن تمكن شبكة حميدتي وقوات الدعم السريع من القيام بأعمال تجارية في النظام المالي الدولي“.
مساهمة شبكة حميدتي في بنك الخليج تمثل نقطة ضعف في النظام المالي الدولي
شركة عائلية
وصف التقرير قوات الدعم السريع بأنها “شركة تجارية عائلية ذات بصمة عالمية“.
وللتدليل على ذلك الزعم، قال: “بحسب ما ورد، فإن شقيق حميدتي القوني حمدان دقلو هو رائد في قوات الدعم السريع وهو مدير المشتريات فيها. ويقال إن عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق آخر لحميدتي، يشغل منصب نائب قائد قوات الدعم السريع. ويبدو أن كال من القوني وعبد الرحيم يعملان كشخصيتين رئيسيتين في شبكة أعمال قوات الدعم السريع جنباً إلى جنب مع أشخاص آخرين غير معروفين، ويُفترض أنهم من أفراد العائلة“.
قوات الدعم السريع شركة تجارية عائلية ذات بصمة عالمية
خلاصات وتوصيات
يرى التقرير أن السيطرة المدنية، التي تشترط الديمقراطية، على الاقتصاد؛ تعد من المتطلبات الأولية لتحقيق الديمقراطية في السودان.
إلا أنه مع تراجع حكومة الانقلاب عن الإصلاحات الديمقراطية، يتعزز وضع الدولة العميقة، في التلاعب والتغلب على التحول الديمقراطي بقيادة مدنية.
وبالتالي وفقما يرى التقرير “لن يستطيع المدنيون، في ظل هذه الظروف، من التقدم في الإصلاحات من أجل الاستقرار السياسي والتقدم الديمقراطي طويل الأمد”.
كما أنه، يجادل التقرير قائلاً “لا يوجد ما يحفز الدولة العميقة على التفاوض الهادف مع الجهات المدنية الفاعلة لكونها تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية على حد سواء”.
خصوصاً وقد قمعت هذه الدولة المعارضة بعنف لدرجة سقوط (99) مدنياً قتيلاً على أيدي الأجهزة الأمنية منذ الانقلاب [بعد يومين من صدور التقرير ارتفع عدد شهداء الثورة منذ الانقلاب إلى 114 شهيداً]، مع اعتقال العشرات تعسفياً [المعتقلون اليوم فاقوا الألفين].
لا يوجد ما يحفز الدولة العميقة على الجلوس في طاولة المفاوضات
ولهذا السبب و”إلى أن يتم تفكيك البنى الاقتصادية للدولة العميقة، سوف يواصل الجيش الاحتفاظ بجميع الأوراق، دون أن يترك لهم أي حافز للجلوس إلى طاولة المفاوضات”، بحسب تعبيره.
تدابير إنفاذ غير مجدية
رصد تقرير [حاميها حراميها] (408) مؤسسة خاضعة لسيطرة الدولة جزء مقدر منها تتم السيطرة بصورة معتم عليها، مما يوضح في رأيه “القبضة غير المتكافئة التي يمارسها تكتل صغير مناهض للديمقراطية على الاقتصاد السوداني”.
ووصف كيف استطاعت الدولة العميقة في ظل أنظمة العقوبات السابقة، التعتيم على سيطرتها على المؤسسات، مما سمح لها بالبقاء على رأس المؤسسات المالية والتجارية الكبرى، بما في ذلك البنك الأكبر في السودان.
وبالنتيجة انتقد التقرير تدابير الإنفاذ التي اتخذتها جهات في المجتمع الدولي في الماضي بأنها كانت تستهدف المؤسسات الحكومية نفسها بدلاً من استهداف الشبكات الاقتصادية للدولة العميقة، المتمددة بعد الانقلاب حيث ورثت الأصول التي استردتها لجنة إزالة التمكين، مما عزز من قبضتها على الاقتصاد السوداني أكثر من أي وقت مضى.
الأدوات موجودة
ومع ذلك، يرى التقرير، “أن الدول التي تدعم علنًا التحول الديمقراطي في السودان لديها ما يلزم من الأدوات لإضعاف الدولة العميقة بشكل هادف”.
وفي ظل تزايد أهمية المحرك الاقتصادي في نظر الدولة العميقة، يقول التقرير: “ثمة مسؤولية ملحة ومتجددة لحرمان هذه الشبكات المعادية للديمقراطية من الوصول إلى التجارة والتمويل الدوليين“.
وفي السياق نفسه أشار التقرير لقرار وزارة الخزانة الأمريكية في مارس 2022 بتوجيه عقوبات مستهدفة على قوات الاحتياطي المركزي الشرطية، بسبب قمعها للاحتجاجات المؤيدة الديمقراطية بعنف.
وأضاف: ”يجب أن تستهدف العقوبات المستقبلية الشبكات المالية للدولة العميقة لمنع الجهات المناوئة للديمقراطية من الاستمرار في الاستفادة من سيطرتها على الاقتصاد وإجبارها على التفاوض مع القيادات المدنية”.
من ناحية اخرى أوصى التقرير المجتمع الدولي بالتصدي لهذا التكتل الأمني القائم على القمع والمناهض للديمقراطية بدعم القيادة المدنية السودانية عبر تدابير تحول دون وصول حكومة الانقلاب للتمويل الدولي وتحد من تمويل الشركات التجارية الدولية للدولة العميقة.
التدابير المطلوبة
لكل ما سبق قدم مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة جملة من التوصيات التي طالب بإنفاذها للمساهمة في خلخلة قبضة الدولة العميقة على الاقتصاد السوداني، وإزكاء مسيرة التحول الديمقراطي في البلاد.
أولاً: أوصى التقرير بأن تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة بإصدار عقوبات على كيانات الدولة العميقة في الجيش والدعم السريع، بحيث تكون أنظمة العقوبات “منسقة وقابلة للتعديل، على غرار الرد الدولي على الغزو الروسي لأوكرانيا”.
يجب أن تكون أنظمة العقوبات منسقة وقابلة للتعديل على غرار الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا
ثانياً: قال التقرير إن على الأمم المتحدة والدول مانحة المساعدات والمنظمات غير الحكومية الدولية أن يضمنوا ألا تذهب المساعدات، التي يعد الشعب السوداني في أمس الحاجة إليها، لتعزيز سيطرة الدولة العميقة على الاقتصاد، بل للمؤسسات المدنية مع تجنب التعامل مع شركات الجيش والدعم السريع والمسؤولين الحكوميين السودانيين.
للمانحين: قدموا المساعدات للسودان مع تجنب شركات الجيش والدعم السريع
ثالثاً: حث التقرير الشركات الخاصة توخي الحيطة وتفادي التعامل مع كيانات الدولة العميقة، بالاستفادة من قائمة المركز التي تحدد الشركات الخاضعة لسيطرة الدولة، والتأكد من أن شركاءهم السودانيين ”يخضعون للسيطرة المدنية”.
أخيراً: مع غياب الشفافية في السجلات العامة السودانية والذي فضحته التحديات التي واجهها المركز في إعداد قائمة الشركات الخاضعة لسيطرة الدولة، وفقما ذكر، فقد طالب التقرير أصدقاء السودان بزيادة دعمهم للمجتمع المدني السوداني والصحافيين الذين يدافعون عن الشفافية ويحاربون الفساد في السودان.