آراء

لا تنس لون جلدك

د. هيثم الزبيدي

كان يوما قائظا بمعايير بريطانيا، عندما عدنا أنا وصديقي الآشوري من عمل ساعدني على إنجازه. الآشوريون شعب أصيل في العراق. قرر الكثير منهم ترك العراق مبكرا بعد تعرضهم لضغوط سياسية واجتماعية ودينية. ثمة تجمع للآشوريين في غرب لندن، وهم من الأقليات المتماسكة عائليا واجتماعيا.

انتبه صديقي إلى أن ابنه شارك صبيان الجيران وصباياهم استلقاءهم تحت أشعة الشمس. الجيران إنجليز ببشرة بيضاء ورديّة. الصبي الآشوري أسمر. الآشوريون يمتازون، مثل كثير من العراقيين، ببشرة حنطية/قمحية تميل إلى الاسمرار. صبيّنا كان بجرعة زائدة من السمرة.

بـ”رقة” عراقية مألوفة، نهر صديقي ابنه وقرّعه. لم يفهم الصبي المشكلة. مسك الأب يد الابن وقاده نحو المرآة: اُنظرْ! هل هذا لون يحتاج إلى شمس إضافية وسمرة؟ ستحرقك الشمس وتزيد من سمرتك. لم يقتنع الصبي، ولكن أمام أب عراقي، ما لديك من فرصة إلا الطاعة.

الآشوريون عراقيون في بيوتهم. الأم والأب يتحدثان باللغة الآشورية مع أولادهما ويحرصان على أن تكون لغة أفراد العائلة حاضرة في ثقافتهم الاجتماعية. لكنهم مندمجون إلى حد كبير في بريطانيا. الصبي يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويحس بأنه إنجليزي. لعلّ ما ساعد على ذلك أن الأشوريين مسيحيو الديانة. رسالة الأب كانت تحمل في طياتها التوصية بألّا تنس “لون جلدك”.

“لون الجلد” هو ما نسيَته وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل. تستعد باتيل لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. وزيرة الداخلية ابنة مهاجرين هنود كانوا يعيشون في أوغندا وتركوا أفريقيا في الستينات ليستقروا في بريطانيا. باتيل ولدت في لندن واندمجت في المجتمع البريطاني. ربما هو اندماج أكثر من اللازم.

في وصف طريف لأحد السياسيين، قال إن بريتي باتيل تقف على يمين أكثر اليمينيين تطرفا في حزب المحافظين. وعندما نقول إنها ملكية أكثر من الملك فنحن لا نتجنى عليها. قبل أيام، وصف ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز إجراء ترحيل طالبي اللجوء بأنه خطة “مروعة”. باتيل، التي جاء أبوها وأمها من أوغندا المحاذية تماما لرواندا، لا تريد أن تستمع لما يقوله الأمير تشارلز. هي تريد أن تسترضي رئيس الوزراء بوريس جونسون. وجونسون (لا يغرنكم الاسم) هو حفيد المهاجر التركي عثمان كمال الذي غير اسمه إلى ولفريد جونسون. عثمان كمال ابن وزير الداخلية العثماني علي كمال بيك الذي اغتيل عام 1922.

حكومة جونسون حافلة بالمهاجرين أو أبناء المهاجرين بجانب وزيرة الداخلية. وزير المالية (ثاني أهم منصب بعد رئيس الحكومة) من أصل هندي لأبوين هاجرا من أفريقيا. وزير ديوان رئاسة الوزراء هندي مولود في الهند. وزير الصحة باكستاني الأصل. وزير الأعمال والطاقة أبواه من غانا. وزير التعليم عراقي مولود في العراق. وهؤلاء وزراء الخط الأول دون تعداد وزراء الدولة من أصول ليست بريطانية.

من حق بريطانيا أن تغربل المتقدمين بطلبات اللجوء. لكن ما لا يمكن أن يفهم هو أن تتحول رواندا إلى معسكر اعتقال كبير للمبعدين من طالبي اللجوء. ماذا لو تصرف وزير الداخلية البريطاني في الستينات بهذه الطريقة مع أبوي وزيرة الداخلية الحالية؟ لربما كانت بريتي باتيل الآن في أوغندا أو الهند.

الصبي الآشوري صار اليوم رجلا. سمرته العراقية واضحة ولا أعرف ما إذا صار يتشمس بحرية بعد تراجع نفوذ الأب؟ سمرته تأخذه إلى النادي الآشوري في غرب لندن ليلتقي بـ”أبناء جلدته”. شيء أشك في أن بريتي باتيل تفعله مع أقليتها الهندية.

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى