حتمية وضرورة وحدة قِوى الثورة الحيَّة العريضة لهزيمة المنظومة الانقلابية
برير إسماعيل
لجان المقاومة رأس الرمح في مسيرة الثورة السودانية خاصة بعد وقوع الانقلاب الثاني في يوم 25 أكتوبر 2021م لن تستطيع لوحدها هزيمة الانقلابيين بالرغم من التضحيات العظيمة التي قدَّمتها وتقدمها الآن.
القوى السياسية والمدنيَّة في الحرية والتغيير/ المجلس المركزي لن تستطيع هزيمة الانقلابيين لوحدها.
القوى الثورية المسلحة التي لم توقع على اتفاقيات سلام جوبا لن تستطيع لوحدها وعبر النضال المسلح والسياسي هزيمة الانقلابيين لوحدها.
قوى الثورة السودانية العريضة بمختلف مدارسها وتقديراتها السياسية لو تركت المزايدات والتخوين والتخوين المضاد والمؤامرات ضد بعضها البعض واتفقت مع الشارع السوداني الثائر في سقوفاته السياسية سوف تلحق بالانقلابيين هزيمة نكراء.
المجتمعان الإقليمي والدولي ليسا سبيل في الشارع يشرب منه المارة في الوقت الذي ينتظر فيه صاحب هذا السبيل الثواب عند الله في يوم القيامة وإنما يعملان من أجل تحقيق مصالحهما الحيَّوية في أي دولة في العالم والسودان ليست بالدولة الوحيدة المستثناة من هذه القاعدة ومع ذلك لا يمكن الاستغناء الكامل عن المجتمعين الإقليمي والدولي إبان حركة النضال السودانية ضد الانقلابيين.
المطلوب اليوم قبل الغد من كل الثوار والثائرات في الداخل والخارج العمل على إيجاد معادلة ثورية وسياسية على الأرض ترجح كفة الثورة وتضع الانقلابيين في حجمهم الحقيقي حينها لن يستطيع المجتمعان الدولي والإقليمي وضع الشروط والإملاءات على الشارع السوداني الثائر أو على قيادته الثورية والسياسية.
التعويل الأساسي يجب أن يكون على كل من الحركة الجماهيرية السودانية الثائرة ولجان مقاومتها الباسلة المقدامة وعلى القوى السياسية الراشدة والقوى المدنيَّة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري في البلد.
لتحقق الثورة النصر على المنظومة الانقلابية يجب على مكوِّنات قوى الثورة الخروج من محطة الصراعات الموغلة في المكاواة السياسية بين القوى السياسية والمدنيَّة والثورية المسلحة التي شاركت في الثورة لأن هذه الصراعات قد ألحقت أضراراً بالغة بالثورة بعد أن وظَّفتها اللجنة الأمنية بكل إمكانياتها المالية المنهوبة من المال العام وبتشكيلاتها العسكرية التي تسعى بصورة راتبة لإغتيال أحلام الجماهير الثائرة ولكنها لن تفلح في ذلك.
إنَّ عودة تحالف قوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي لمسرح الأحداث السياسية بصورة إيجابية بعد القراءة الأولى للحراك السياسي الذي أقدم عليه التحالف مؤخراً الذي كاد أن يخرج من المعادلة السياسية بعد وقوع انقلاب 25 أكتوبر 2021 ذلك الانقلاب الذي مهَّد وساهم فيه تحالف قوى الحرية والتغيير نفسه بسبب تخاذل الكثير من قياداته وتفريطها الكبير في مكتسبات ثورة ديسمبر 2018 المجيدة.
لولا خذلان غالبية مكوِّنات تحالف قوى الحرية والتغيير بشقيها المدني والمسلح للحركة الجماهيرية لما احتاجت هذه الحركة الجماهيرية الثائرة في طول البلاد وعرضها للتواجد في الشوارع طيلة السنوات التي أعقبت 11 أبريل 2019م وإلى يومنا هذا.
التقديرات السياسية العجولة والبحث عن المكاسب الحزبية الضيقة والمجابدات السقيمة بين مكوِّنات تحالف قوى الحرية والتغيير كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها جعلت الحرية والتغيير تقدَّم البلد في طبق من ذهب للجنة الأمنية لنظام الجبهة الإسلامية القومية ولهذا السبب الجوهري دفع الشباب والشابات من لجان المقاومة ومن القوى الثورية العريضة الثمن غالياً.
تحمَّلت لجان المقاومة المسؤولية السياسية واستطاعت ببسالة كبيرة ملء الفراغ السياسي الذي ظلَّ موجوداً لفترة طويلة في مرحلة الانقلاب الثاني حينها فشل تحالف قوى الحرية والتغيير في القيام بالمهام الوطنية التي كان فرض عين عليه القيام بها على الوجه الصحيح.
الآن جلس تحالف قوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي لامتحان الملحق السياسي عقب الرسوب السياسي الكبير في الامتحان في فترة جمهورية اعتصام القيادة العامة وفي فترة استلام السلطة الصُّورية وهو الرسوب الذي تسبب بدوره في الإتيان بوثيقة دستورية كارثية قادت هي الأخرى لتشكيل حكومة مسخ مدنيَّة لم تستطع تُلبية طموحات وتطلعات الثوار والثائرات في الداخل والخارج.
عاد تحالف قوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي وهي عودة طائر البطريق السياسي السوداني رغم النواقص الكثيرة التي تعتري هذه العودة ولكن قِيل في السياسة إنَّ العافية درجات وعليه لا يمكن في الكثير من الأحايين لأي فصيل أو تحالف سياسي تحقيق كل السقوفات السياسية وخلافها بالضربة القاضية التي يجب أن تطيح بالخصم السياسي وتزيله من المشهد.
سياسياً لا يمكن لأيِّ فصيل سياسي على حدة أو لأيِّ تحالف سياسي على سطح الكرة الأرضية أن ينتحر أو يعلن اعتزاله للعمل السياسي و إن ارتكب كبريات التقديرات والأخطاء السياسية كما فعل بالضبط تحالف قوى الحرية والتغيير بالثورة السودانية المجيدة.
المنطق يقول إنَّ الحرية و التغيير لعبت السياسة بطريقة صحيحة و تمكنت من الرجوع لصدارة المشهد السياسي من جديد و إن استخدمت ذريعة قبول الحوار مع اللجنة الأمنية مراعاةً للتدخل الدولي بقيادة بوليس المجتمع الدولي الأمريكان مع إقحام السعودية كلاعب سياسي مهم بالرغم من أن السعودية لا تتجاوز كونها ذيل للأمريكان و تقوم بهذه الأدوار بالنيابة عنهم إلا أنَّ استماتة ياسر عرمان بطل الحرية و التغيير / المجلس المركزي بعد الانقلاب الثاني في الوقت الذي يجلس فيه رئيسه مالك عقار في كرسي السيادي الانقلابي ليقوم بدور الكومبارس السياسي حيرت الشهداء في المقابر.
تحدث ياسر عرمان عن السعودية وعن دورها في السياسة الدولية والإقليمية حتى ظننا بأنه ياسر بن عبد العزيز آل سعود.
الجدير بالذكر أن ظهور ياسر عرمان كمتحدث باسم تحالف قوى الحرية والتغيير/ المجلس المركزي ظلَّ سؤالاً مشروعاً لعدد كبير من الثوار و الثائرات، بل هو أحد نقاط ضعفها الكثيرة وملخص هذا السؤال يقول ما الذي يجبر قوى الحرية والتغيير/ المجلس المركزي على قبول شخصية قيادية في حركة انقلابية متحدثا رسمياً باسمها؟
لكن الحق يجب أن يُقال لأنَّ الكثير من قيادات الحرية والتغيير فعلت الشيء نفسه لتقديم السعودية كلاعب سياسي مهم في الشرق الأوسط علماً بأنَّ أي مواطن في الشارع السوداني الثائر يعرف ما هي مصالح السعودية في السودان? ويعرف كذلك بأنها ذيل للأمريكان الذين يلعبون بها بعض الأدوار السياسية القذرة بعد تراجع دور مصر القيادي في الشرق الأوسط.
يلاحظ أن قوى الحرية والتغيير تراجعت عن حكاية أنها الممثل الوحيد للثورة لأن الواقع فرض عليها ذلك وهذه خطوة إيجابية في صالح الثورة يجب الإشادة بها فأهلنا يقولون (أخوك كان ما درتو خاف فيهو الله)، إذ كان بإمكان قوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي وبطريقة السياسة السودانية الموغلة في إجادة المغالطات أن تدعي تمثيلها وحدها للثورة لتزيد الطين السياسي السوداني بِلة.
المنافسة السياسية غير الراشدة بين قوى الثورة العريضة مهما تباينت مواقفها وقراءتها السياسية للمشهد وفي التوقيت الخطأ كانت في مصلحة كل من اللجنة الأمنية والأمريكان وذيلهم آل سعود الذين يبحثون عن المقاتلين السودانيين المرتزقة وعن مصالح أخرى عديدة في هذا البلد الهامل، ولذلك لن يفرطوا فيها إلا في حالة حدوث التغيير الجذري.
لن تضرر لجان المقاومة ولن تتضرر كذلك كل القوى الثورية العريضة المدنيَّة والمسلحة المقاومة للمنظومة الانقلابية من عودة تحالف قوى الحرية والتغيير للمشهد السياسي بصورة إيجابية مؤثرة إن أثبتت الأحداث السياسية القادمة بأنَّ التحالف قد وعي الدرس ويعمل على تصحيح معظم الأخطاء السياسية التي ارتكبها في المرحلة السابقة منذ 11 أبريل 2019م وفي ذات الوقت لن تضرر قوى الثورة المقاومة للانقلاب من انسحاب قوى الحرية والتغيير / الميثاق الوطني من الانقلاب وعودتها لمقاومته و العمل على عزله بعد أن أثبتت التجربة العملية بأن اللجنة الأمنية غير جادة في تحقيق السلام الشامل في السودان لأنه ببساطة شديدة يعني نهايتها و للأبد.
المطلوب من الحزب الشيوعي السوداني انتظار ما تسفر عنه الأحداث السياسية القادمة، وذلك بوقف هجومه المتواصل على تحالف قوى الحرية و التغيير / المجلس المركزي ليرى مدى جديَّة اللجنة الأمنية في التنازل عن السلطة الكاملة للمدنيين لتحقيق مطالب الحركة الجماهيرية فليعمل الحزب بسياسة الكذاب وصله خشم الباب مع هذه اللجنة الأمنية القميئة لأن قوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي لم تطلب لا من الحزب الشيوعي السوداني و لا من الحركة الجماهيرية بقيادة لجان مقاومتها وقف الخروج إلى الشوارع حتى لا تضيق الخناق على اللجنة الأمنية بل العكس تماما هو الذي حدث حيث أمَّنت قوى الحرية والتغيير على مواصلة الحركة الجماهيرية لحراكها السياسي لأن المنطق يقول فرض العين على الجميع أن يكملوا أدوار بعضهم البعض فلا حرية وتغيير راشدة بلا لجان مقاومة ثائرة و لا لجان مقاومة ثائرة بلا قوى سياسية راشدة.
مع كل ذلك المنطق يقول لن تستطيع قوى الحرية والتغيير إحداث تغيير جذري في البلد عبر تفاوض مع اللجنة الأمنية وذات المنطق يقول لا يمكن للحرية والتغيير أن ترفض مبدأ الحوار مع اللجنة الأمنية عدو الثورة الرئيس وهي تعلم بأن الحركة الجماهيرية الثائرة لن تقبل بمولود سياسي مشوه كما شرعنت له الوثيقة الدستورية المعيِّبة في غالبية بنودها.
بما أن الحرية و التغيير قالت للشارع السوداني الثائر في الداخل والخارج نحن لن نقبل بالعودة لمربع يوم 24 أكتوبر 2021 بكل تفاصيله الكارثية فلا يقبل المنطق السياسي الراشد تجريمها سياسياً بسبب جلوسها مع اللجنة الأمنية إن كان هذا الجلوس بسبب ضغوطات دولية أو كان جلوساً وفقاً لتقديرات قوى الحرية والتغيير وحدها، فالمهم هو قبول مبدأ الجلوس مع العدو لتحقيق سقوفات الجماهير السودانية وفي حالة عدم العمل على تحقيق مطالب الجماهير سيكون الخسران المبين لمن يتلاعب بمصائر هذه الجماهير بعد كل هذه التضحيات العظيمة التي قدمتها في مسيرة الثورة الممهورة بالدماء حيث استمرار الحروب والاستشهاد والاغتصاب والاختفاء القسري والزج بالمناضلين والمناضلات في سجون الانقلابيين والجوع والمرض والفقر.. إلخ.
الكرة الآن في ملعب جميع الذين لديهم مصلحة حقيقية في الثورة ليوحِّدوا سقوفاتهم السياسية وليتركوا إتباع سياسة التخوين والتخوين المضاد والمزايدات السياسية والمؤامرات على بعضهم البعض واللف والدوران و التذاكي و التشاطر والاحتيال السياسي لتحقيق مكاسب سياسية غير مشروعة لتربح من كل ذلك اللجنة الأمنية بعض الجولات القادمة بعد مواصلة استثماراتها السياسية في هذه الصراعات العدمية.