حمار إبن حمار ! ..
بقلم: زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* نفس الذين كانوا يطالبون بطرد المبعوث الدولي (فولكر بيرتيس) من السودان، صفقوا له بحرارة وكادوا يهتفون باسمه (يعيش فولكر منقذ السودان) عندما انتهى من إلقاء كلمته العصماء فى حوار الموز الذي بدات اولى فصوله المسرحية امس لحل أزمة السودان .. فما الذي تغير ؟!
* هل رضخ (فولكر) أخيرا لرغبات العسكر، ووافق على كل طلباتهم وتعليماتهم، والاتفاق معهم على كل شئ بدءا من الدستور وشخصية رئيس الوزراء المرتقب وكل ما يتعلق بالفترة الانتقالية، ولم يبق له سوى اكمال فصول المسرحية الهزلية للإعلان عن الاتفاق ؟!
* أم بدلته – الظروف – وحولته من مسهل دولي الى سمسار دولي، بدلا عن التشرد في الحواري الى ان يفتح الله عليه بوظيفة دولية اخرى لا تزال في علم الغيب، يقتات منها؟!
* جاء فى إحدى الروايات انه كان في أحد الإسطبلات مجموعة من الحمير، وذات يوم أضرب الحمار الصغير عن الطعام حتى ضعف جسده وتهدّلت أذناه وكاد جسده يقع على الأرض من الوهن، فأدرك الحمار الأب أن وضع ابنه يتدهور كل يوم، وأراد أن يفهم منه سبب ذلك، فأتاه على انفراد يستطلع حالته النفسية والصحية التي تزداد تدهورا، وقال له: ما بك يا بني، لقد أحضرت إليك أفضل أنواع الشعير وأنت لا تزال رافضا ً أن تأكل، أخبرني ما بك، ولماذا تفعل ذلك بنفسك؟!
* رفع الحمار الصغير رأسه وخاطب والده قائلا :نعم يا أبي .. إنهم البشر. دُهش الأب وقال لأبنه :وما بهم البشر يا بني؟، قال له: إنهم يسخرون منّا نحن معشر الحمير، فقال الأب وكيف ذلك ؟، قال الابن: ألا تراهم كلما قام أحدهم بفعل مشين يقولون له يا حمار، وكلما قام أحد أبنائهم برذيلة يقولون له يا حمار، يصفون أغبياءهم بالحمير ونحن لسنا كذلك يا أبي، إننا نعمل دون كلل أو ملل ونفهم وندرك ولنا مشاعر.. عندها ارتبك الحمار الأب ولم يعرف كيف يردّ على تساؤلات ابنه وهو في هذه الحالة السيئة، ولكنه سُرعان ما حرّك أذنيه يُمنة ويٍسرة ثم بدأ يحاور ابنه محاولا ً إقناعه حسب منطق الحمير!
* انظر يا بني إن هؤلاء البشر خلقهم الله وفضّلهم على سائر المخلوقات لكنّهم أساءوا لأنفسهم كثيراً قبل أن يسيئوا لنا..انظر مثلاً..هل رأيت حماراً خلال عمرك كله يسرق مال أخيه، هل رأيت حماراً ينهب طعام أخيه، هل رأيت حماراً يكنز الشعير بينما غيره جائع، هل رأيت حماراً يرفع دعوة على أحد من أبناء جنسه، هل رأيت حماراً يعذب بقية الحمير لمجرد انهم أضعف منه أو أنه غير معجب بما يقولون، هل رأيت حماراً يعامل الآخرين من الحمير بعنصرية اللون والجنس، هل رأيت حماراً يشتم أخاه الحمار أو أحد أبنائه، هل رأيت حماراً يضرب زوجته وأولاده، هل سمعت يوماً أن الحمير الروس يغزون الحمير الاوكرانيين، هل رأيت حماراً من دولة عربية يذل شقيقه من دولة عربية أخرى لأنه يعمل عنده، هل رأيت حماراً عميلا لدولة أجنبية ويتآمر ضد حمير بلده، هل رأيت حماراً يستحمر على الآخرين ويرفض التخلي عن قيادة القطيع رغم تقدمه بالسن ووجود من هو أصغر وأفضل وأقوى منه، هل رأيت حماراً يفعل ما يفعله اليوم بعض الساسة البشر يـُشع أحدهم حقداً ولا يشبع من التفرقة والقتل، هل رأيت حماراً يغلق الحدود، هل رأيت حماراً يقصف أبناء بلده بشتى أنواع الأسلحة، هل رأيت حماراً يزهق الأرواح تلو الأرواح من أجل السلطة، هل رأيت حماراً يغتصب حقا من حقوق أخيه، هل سمعت بمنظمة الامم المتحدة للحمير توفد مبعوثا دوليا للمساعدة فى حل ازمة بلد يقتل عساكرها ابناء شعبهم ويسرقون خيراتها، فيتحول المبعوث الدولي من مسهل الى سمسار يساعد الظالم على المظلوم ؟!
* طبعاً لم تسمع بمثل هذه الجرائم الإنسانية في عالم الحمير! نحن معشر الحمير نعرف من نحن، خلقنا الله لحكمة ونحن نعمل بمقتضاها … ولكن هل يعرف البشر الحكمة مِن خلقهم ويعملون بمقتضاها، أم ( إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)؟!. لهذا يا ولدي أطلب منك أن تحّكم عقلك الحميري وأن ترفع رأسي ورأس أمك عاليا وتبقى كعهدي بك “حمار ابن حمار”، واتركهم يا ولدي يقولون ما يشاءون، ويكفينا فخراً أننا الحمير لا نــكـذب.. لا نـقـتـل..لا نـســـرق..لا نـغـتـاب.. لا نـشــتم..لانرقص فرحاً وبيننا جريح وقتيل.. ولا نحتاج الى مبعوثين أو مسهلين أو سماسرة دوليين يبحثون عن رزقهم فى عالمنا !
* أعجبت هذه الكلمات الحمار الصغير، فقام يلتهم الشعير وهو يقول :نعم سأبقى كما عهدتني يا أبي ..سأبقى أفتخر أني حمار ابن حمار، يحاسبني الله ثم يقول لي كن تراباً فأكون تراباً، ولا أدخل النار التي وقودها الناس والحجارة!