وهربّ المركز إلى بورتسودان بكل بقجه العنصرية النتنة..
عبدالغني بريش فيوف
لم ولن يتعلم المركز “الجلابة” من أخطاءهم.. ولم ولن يتركوا العنجهية والعنصرية التي يتوهون بها حتى لو تفكك السُّودان طوبة طوبة!!
كان يحدونا الأمل في أن يتعلم الجلابة من الحرب الدائرة حاليا والتي دمرت وما زالت تدمر كل شيء في السودان -ابتداءاً بانسانه وحيوانه واشجاره وولخ. لكن لا حياة لمـن تنادي، ولو نارٌ نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد.
يجيء مقالنا هذا على خلفية، كتابة مقدمة البرامج زينب إيرا على صفحتها الشخصية في فيسبوك يوم 20 يونيو 2024، منشورا بعنوان “هويتي ليست عيبا”، ساردة ما جرى بينها وبين مدير التلفزيون السيد البزعي.
وقالت إيرا “أثناء تواجدي في استوديوهات تلفزيون السودان، الذي يفترض أن يعبر عن كافة أطياف المجتمع بتعددنا المميز، دار بيني وبين السيد البزعي مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون حديثٌ، أعرب فيه عن غضبه من ارتدائي للزي (البجاوي) في القناة، وتحدث بأسلوب أدهشني وهدّد (بطردي) فقط لهويتي. دار الحديث بحضور بعض الزملاء الذين حاولوا احتواء الموقف وتجميل كلامه بأنه (لا يقصد)، ولكنه أصرّ على ذلك. وكان ردي بأن هذا الزي هو هويتي ولن أتنازل عنه. لم أكن أتوقّع أن أسمع حديثًا من شخص يشغل منصبا حساسًا كإدارة الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون”.
كما أضافت كاتبة في تعليقها “أنا فخورة بالكربة والسديري، بالتوب والجلابية والعمّة، وأفتخر بكل زي سوداني يعبر عن السودانيين كلهم بتنوعنا الغني. أعتقد أن ما تمر به البلاد بحاجة لتكاتفنا كسودانيين ونبذ أي فكرة تهدد وحدة بلادنا”.
عزيزي القارئ..
قضية الأستاذة زينب ايرا، ليست الأولى من نوعها، بل أن هناك قضايا كثيرة جدا جدا من ذات النوع تكررت عبر سنوات طويلة، استهدفت أبناء السُّودان الذين لا ينتمون لثقافة البدو -أي ثقافة شراب بول البعير وأكل الضَّباب، وثقافة من لم تمسهم الماء احياناً لمدة سنة.
قبل سنة ونصف من الآن، كانت نيتاليا بطرس وكاكا وكوكو ودانيال وآخرين من قومية النُوبة مع ذات التلفزيون والإذاعة، واليوم زينب ايرا، وغداً “زيد وعبيد” من أبناء القوميات السودانية التي تحمل الثقافات والحضارات الإنسانية بمظاهرها المتنوعة.
ما حدث للأستاذة زيب ايرا اليوم وللآخرين من القوميات ذات الثقافة والحضارة الإنسانية في الماضي، إنما نوع من الاستعلاء النابع من شعور “الجلابة” بأنهم عنصر سيد، وعلى هذا الأساس الوهمي، مارسوا هذا الشعور في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وولخ، لرفض وجود الآخرين، فهذا الرفض، يهدف الى التفوق “الوهمي” على الآخرين، بسبب الجنس واللون او النسب او الأصل القومي اوالعرق او الدين او اللغة او الثقافة وولخ. وكل هذه التصنيفات الوهمية في السودان، هي التي ادت الى اندلاع الصراعات المختلفة في البلاد.
هؤلاء الجلابة الأجلاف السفلة، لا يسأمون ابدا من وهّم (نحن وهُم)، إنها إرادة وهمية مغرورة بالتفوق على الآخرين، هذا التوهم اجاز لهم اختراع التناهي في الفعل التدميري بأشكاله المختلفة، تدمير الإنسان السوداني، تدمير روح الإبداع فيه، تدمير التعددية المختلفة، وفي النهاية تدمير الوطن كله.
إنهم يسرفون في الجهل بحقيقة ذواتهم الهشة الضعيفة، فتدرجوا في هذا الوهم والزعم بالقدرة على تطويع كل القوميات السودانية الحضارية، والظن بالقدرة على تعريبها واسلمتها، ومن ثم ظهرت الصراعات المختلفة وجرائم التطهير العرقي وسياسات البقاء لإسلام عروبية.
موهومون وهما بلا حدود، وهذا ناتج من صراع بين الشعور بالقوة الوهمية وشعور الاغتراب عن الذات، وإن هذا الشعور بالغربة الداخلية والمأساوية القاتلة، هو أصل فكرة التعالي على الآخرين.
عزيزي القارئ..
إن التعدد والتنوع داخل الدولة الواحدة نعمة عظيمة، وسبب من أهم أسباب الازدهار الثقافي والحضاري في الكثير من البلدان قديما وحديثا، فبه يحصل التلاقح الثقافي والفكري، وفي فضائه الرحب تخصب الأفكار المبدعة الخلاّقة وتتوالد. لكن هذه الميزة قد تتحول الى نقمة عظيمة وخطرا ماحقا، يهدد الدول بالتفكك والانهيار في حال الإصرار على الآحادية.
تؤكد التجارب التاريخية القريبة والبعيدة، على فشل معظم محاولات دمج الشعوب والقوميات، وتذويبها بالقوة، وفرض حلول تنتقص من حقوقها السياسية والمدنية والثقافية واللغوية وولخ. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، هو ما تعرض له الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا من تفكك، نتج عنه ظهور مجموعة من الدول.
إن اصرار المركز “الجلابة” على الاحادية في السودان، أدى الى انفصال جنوب السودان. وسيراوح السودان في مكانه، كما قال أحد الكُتاب “العرب”، “متجهاً أكثر وأكثر الى الفقر والتشرذم والانشطار، والجميع يبحث عن أحادية سودانية مستحيلة، وسيبقى البحث عن ذلك الأحادي في السودان كما يبحث العميان عن كنز مدفون، من جديد رفض قاطع للاعتراف بواقع التعددية”.