آراء

عندما تنسجم جينات الخبالة و الخيانة مع جينات الجريمة و الارتزاق 

د. حامد برقو عبدالرحمن

(١)
لما يقارب الثلاث عقود و نحن نحذر إخوتنا حكام الخرطوم من مغبة صنع البشر الآليين او روبورتات القتل لإفناء أبناء الهامش السوداني من الوطنيين المؤمنين المتحضرين و الذين كل جرمهم الحلم بالعيش في بلادهم بسلام و وئام و تساو في الحقوق و الواجبات مع بني جلدتهم في الوسط و الشمال النيلي.
لكن سكان قصر غردون الفخم أنذاك و المتفحم حاليا آثروا المضي في غيهم في تجميع مجرمي شتات دول غربي افريقيا الي جانب بعض المجرمين المحليين فكان ميلاد النسخة الحالية من الجنس البشري الآلي و المسمى بالجنجويد او الدعم السريع.
ثمة حقيقة مُرة يجب ان يدركها أبناء الهامش السوداني؛ و هي ان الرئيس المخلوع عمر البشير او نظامه البائد (المؤتمر الوطني) لم يقترف كبيرة صنع الجنجويد بصفته أو عقليته الكيزانية.
كلا!
انما قام البشير و اعوانه بالتنظيم المقبور بصنع هؤلاء بصفتهم الجهوية الشمالية. اي انهم فعلوا ذلك بالعقلية الانانية و الاقصائية لبعض ابناء الاقليم الشمالي النيلي.
بلغة أخرى؛ ان ما فعله حزب المؤتمر الوطني كان سيفعله حزب الاتحادي الديمقراطي او حزب الامة او حزب البعث العربي الاشتراكي او حزب المؤتمر السوداني .
بل ان حزب الامة القومي هو من وضع اللبنة الأولى لمنظومة الجنجويد في سبعينات القرن الماضي ، ليأتي حزب المؤتمر السوداني( بقيادة خالد سلك و الدقير) ليصبح الحاضنة السياسية للمليشيا في حربها الحالية على البلاد و العباد في السودان.

(٢)
في مقالين سابقين كنت قد ناشدت فيهما ابناء القوات المسلحة بضرورة عزل الاخ عبد الفتاح البرهان( برغم حساسية المرحلة)
ذلك ان اردنا الانتصار على الغزاة المتعطشين للدماء.
و في ذلك استشهدت بتباطوء العمليات العسكرية بولاية الجزيرة و مصفاة الجيلي كمثالين على غياب الارادة لهزيمة العدو عند البرهان و كبار ضباط الجيش (و الذين بطبيعة الحال يمثل ابناء الاقليم الشمالي اكثر من ٩٨ بالمائة منهم).
قبل حوالي شهر تقريبا كان افراد مليشيا الدعم السريع يبحثون عن المخرج للهروب من ولاية الجزيرة. بينما الذين كانوا داخل مصفاة الجيلي يستغيثون بالصليب الاحمر بغرض الاستسلام لكن البرهان و بمعاونة (بعض) كبار ضباط الجيش من ابناء الاقليم الشمالي خفضوا العمليات
حتى يتسنى للجنجويد المحاصرين تلقى الامدادات .
بل حجبوا الاحتياجات الضرورية من الاطعمة و الذخائر عن افراد الجيش و المستنفرين و القوات المشتركة و الأمرٌ من ذلك انهم (اي بعض كبار ضباط الجيش ) سربوا لقيادة الدعم السريع معلومة نفاذ ذخائر القوات المحاصرة لهم؛ الامر الذي حفز الجنجويد على مهاجمة ارتكازات المدافعين عن أمن و سلامة وحدة التراب الوطني حول المصفاة فكانت الهزيمة و الخسائر البشرية الكبيرة قبل خمس ايام.
اما عن ولايتي غرب دارفور و الجزيرة المستباحتين منذ اشهر؛ فحدث و لا حرج.
هل سيؤمن مواطن قرى الجزيرة او الجنينة او الفاشر بعد الذي حدث و يحدث له ان لديه حكومة او جيش في الاصل؟ و هو يتعرض للقتل و القصف المدفعي اليومي من قبل مرتزقة و قتلة مأجورين لا خلق و لا دين لهم ؟؟
بعض المجموعات الإثنية المفطورة على الدفاع عن القيم النبيلة بأي ثمن؛ و هنا أخص عرقيتي (النوبة و الزغاوة كمثالين للكثير من المجموعات العرقية الكريمة بالسودان، و ما أكثرها) – لديهما باع طويل يمتد لمئات السنين في مجابهة و ردع هؤلاء الأوباش منذ ان غادر أسلافهم الجزيرة العربية – اما رفضاٌ للاسلام او منعا للزكاة او الارتداد عن دين الله الذي في الاصل لم يدخل قلوبهم و ذلك بعد إلتحاق من أخبرنا بأنهم (أشد كفرا و نفاقا) بالرفيق الاعلى.. عليه صلوات ربي و سلامه.
لكن الذي توجست منه بصدق هو الطعن من الخلف.. عندما تنسجم جينات الخبالة و الخيانة مع جينات الجريمة و الارتزاق.
ذلك ما حدث للايقونة محمد صديق و غيره من الشهداء و شهيدات السودان منذ منتصف ابريل ٢٠٢٣.
مصفاة الجيلي لا تسوي قطرة من دمه او دم الشهيد ادريس ادروب او الشهيد احمد برقو عبدالرحمن و غيرهم من شهداء الوطن.

(٣)
مرت سنوات عدة عندما قلت ان الجيش السوداني بتركيبته أنذاك لن يصمد لمدة ثلاث ساعات امام اي غزو أجنبي.
ليس لأن جميع ضباط الجيش من مناطق و إثنيات معينة بينما الجنود من مناطق أخرى. ذلك امر مفرغ منه.
إنما لأن الجيش الذي يلتهم اكثر من 70% من ميزانية الدولة قد ترك مهامه الدستورية و لجأ للمضاربات و تجارة اللحوم و الخضر و الغلال في الأسواق المحلية و الخارجية ، لتذهب الميزانية الضخمة و عائداتها التجارية لبناء قصور و كروش و أرداف كبار ضباطه بينما يعاني الجنود من الفقر و الجوع و سوء التدريب و التسليح مع تشويش متعمد في عقيدته القتالية.

(٤)
ما لم يتدارك الموقف فإن مليشيا الدعم السريع ستعلن حكومتها من داخل مدينة الخرطوم أو خارجها .
و أظنها ستفعل ذلك في غضون شهرين و ثلاث اشهر ما لم تتم هزيمتها بتكاتف الجميع و تحت قيادة مؤمنة و مخلصة لهذا الوطن و انسانه.
هل يدرك ( بعض) أبناء الاقليم الشمالي من كبار ضباط الجيش خطورة ما يقومون به بسبب حفنة دولارات الدعم السريع الملطخة بالدماء ؟؟
هل يشعرون بالخطر الوجودي الذي يمثله الجنجويد على اهليهم في الاقليم الشمالي قبل باقي الاقاليم او السودان الوطن؟؟
بعد الخيانة التي تعرض لها ايقونة الجيش و الثورة البطل محمد صديق و رفاقه ؛ فلا أستبعد إغتيال البطل ياسر العطا و ربما البطل شمس الدين الكباشي ايضا.
كثيرون الذين لن يدخلوا السودان الذي سيحكمه الجنجويد لما تبقى من أعمارهم. فقط لأنهم لا يطبقون رؤية هؤلاء الغزاة الاوباش في شوارع بلادهم.
و الواضح ان جلهم سيغادرون هذه الفانية و هم ما يزالون في الغربة التي أجبرهم عليها نظام الانقاذ .
الموت حق و لكل أجل كتاب؛
لكن المحزن ان تصعد روح عاشق لتراب بلاده و في قلبه ألم فقدان الوطن !!
و هو ما يشعر به البعض الان و ليس ما سيصابون به غدا.
ذلكم هو البلاء أو الإبتلاء بحق.
المجد لجيشنا…!!

د. حامد برقو عبدالرحمن

NicePresident ®hotmailcom

Author

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى