أوكرانيا تقاتل روسيا في السودان… وتدرب الجيش الحكومي
- واشنطن: «الشرق الأوسط»
ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن قوات أوكرانية خاصة تقوم بتدريب عناصر في الجيش السوداني. وأشارت في تقرير مطول إلى أن قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، عندما وجد نفسه محاصراً من قبل قوات المتمردين في عاصمة البلاد، الصيف الماضي، اتصل بحليف غير متوقع للمساعدة، هو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وروت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أوكرانيين، أن زيلينسكي كان لديه من الأسباب لأخذ طلب البرهان على محمل الجد، خصوصاً أن البرهان كان يزود كييف بهدوء بالأسلحة منذ فترة وجيزة، بعد غزو روسيا أوكرانيا عام 2022، وفق الصحيفة الأميركية. وبعد أسابيع قليلة من المكالمة، هبطت قوات «الكوماندوز» الأوكرانية في السودان، وبدأت القتال لطرد «قوات الدعم السريع» من العاصمة الخرطوم، وفق كثير من الجنود الأوكرانيين المشاركين في العملية. تضم نحو 100 جندي، معظمهم من وحدة «تيمور» التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، على متن طائرة مستأجرة في السودان، في منتصف أغسطس (آب).
ووفق مصادر صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن المهمة الأولى للقوات الأوكرانية كانت هي المساعدة في إخراج البرهان من الخرطوم، حيث حاصرته «قوات الدعم السريع». وبعد وقت قصير من وصولهم، توجه البرهان في قافلة إلى المجمع الواقع خارج العاصمة، حيث كان مقر الأوكرانيين. وقال مسؤولون سودانيون إن حراسه أشرفوا على تهريبه من الخرطوم. وتوجه البرهان بالشكر للأوكرانيين على جهودهم، ثم توجه إلى مدينة بورتسودان، الواقعة على البحر الأحمر، والتي لا تزال خاضعة لسيطرة قواته. ثم التقى مع زيلينسكي في مطار «شانون» الآيرلندي بعد بضعة أسابيع.
زيلينسكي بعد لقاء البرهان: «تحديات أمنية مشتركة»
وكتب زيلينسكي على «تلغرام» وقت الاجتماع قائلاً: «ناقشنا تحدياتنا الأمنية المشتركة، وأنشطة الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تمولها روسيا». كما شكر البرهان على «دعم السودان المستمر لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها». ووفق تقرير الصحيفة فإن القوات الأوكرانية زودت حراس البرهان ببنادق «إيه كيه إم» المزودة بكواتم الصوت الجديدة.
وقال ضابط الاستخبارات الأوكرانية، البالغ من العمر 30 عاماً، والمعروف بالاسم المستعار كينغ، والذي قاد أولى المجموعات الأوكرانية التي وصلت إلى السودان، إن فريقه وجد نوعاً مختلفاً تماماً من الصراع عن الذي تركوه في أوروبا الشرقية؛ إذ يقاتل الجنود من كلا الجانبين مرتدين الصنادل، وأحياناً ما يُفرغون شحنة كاملة من الطلقات وهم يحملون بنادقهم فوق رءوسهم، غير قادرين على رؤية الأهداف التي يُطلقون النار عليها، كما لم يكن كثير من جنود الجيش السوداني قد تسلموا رواتبهم منذ بدء القتال قبل أشهر، ما أدى إلى استنزاف دوافعهم للقتال. ولم يكن المقاتلون يرتدون علامات تعكس الجانب الذي ينتمون إليه، وكانت النيران الصديقة تعد تهديداً منتظماً.
الأوكرانيون يقاتلون ليلاً
ولم يهاجم أي من الجانبين في الليل، وبذلك وجدت القوات الأوكرانية المجهزة بنظارات الرؤية الليلية والطائرات المسيّرة منفذاً للعمل. وقال كينغ للصحيفة: «كانت هذه ميزتنا الكبيرة، إذ كنا نعرف كيف نعمل في الليل». كان الجنود الأوكرانيون يغادرون قاعدتهم نحو الساعة 8 مساءً، متجهين إلى المدينة في مجموعات من 6 أشخاص، وينتقلون في شاحنات صغيرة. ويتابع كينغ روايته قائلاً إنه في البداية، فوجئ مقاتلو «قوات الدعم السريع»، الذين اعتادوا النوم في العراء على طول خط المواجهة، بالغارات الليلية، ثم شرعوا في إخفاء مواقعهم. وكانت الفرق الأوكرانية تتراجع دائماً إلى قاعدتها بحلول الصباح، حذرة من لفت الانتباه. وقال كينغ: «حتى لو أردنا أن ننفذ أمراً خلال النهار، فنحن مجموعة من البيض، وسوف يُدرك الجميع ما كان يحدث».
السودان مصدر للسلاح والذهب
وقد تحول السودان إلى ساحة معركة في الحرب الروسية الأوكرانية؛ لأنه غني بمصدرين مهمين: الأسلحة والذهب. فخلال النزاعات المتكررة في البلاد على مدى عدة عقود، تدفقت الأسلحة إلى السودان، بصورة مباشرة وغير مباشرة، من الولايات المتحدة وروسيا والصين وأماكن أخرى. ونتيجة لذلك، أصبح لدى السودان كثير من الأسلحة الممكن توفيرها في أوائل عام 2022، عندما غزت روسيا أوكرانيا. وكانت كييف تبحث عن كل الأسلحة التي يمكن العثور عليها. وقال بودانوف، قائد الاستخبارات العسكرية الأوكرانية: «أخرجنا كثيراً من الأسلحة من السودان في وقت واحد، وقامت دول مختلفة بتسديد ثمنها. وكانت لديهم مجموعة كبيرة من الأسلحة، وكان يمكنك العثور على كل شيء هناك، من الأسلحة الصينية إلى الأسلحة الأميركية». وفي الأثناء نفسها، كانت روسيا تستخرج الذهب من السودان منذ فترة طويلة. وقادت «فاغنر» عملية موسكو في البلاد، كما فعلت في كثير من الدول الأفريقية الأخرى، وأشرفت على تدريب مقاتلي «قوات الدعم السريع»، الذين قاموا بدورهم بتوفير الأمن للشركات الروسية في المناجم. وقبل بدء الصراع في السودان الربيع الماضي، سُجلت نسبة 30 بالمائة فقط من الذهب المستخرج في البلاد رسمياً لدى البنك المركزي، بينما ظل مبلغ 4 مليارات دولار من عائدات الذهب غير مدرج في السجلات سنوياً، وفقاً لمسؤولين ونشطاء سودانيين. ويقول النشطاء إن كثيراً من هذا الذهب المهرب انتهى به الأمر في أيدي الروس.
«الدعم السريع» والتحالف مع «فاغنر»
وعندما اندلعت الحرب الأهلية، رفضت «قوات الدعم السريع» في البداية عرض «فاغنر» مدها بالأسلحة الثقيلة، لأنها كانت قلقة بشأن استعداء الولايات المتحدة، لكن بعد الانتكاسات العسكرية في أبريل (نيسان)، غيرت المجموعة مسارها، وفقاً لمسؤولين أمنيين دوليين.
وفي 28 أبريل (نيسان)، نقلت قافلة من سيارات «تويوتا» الصغيرة التي تشرف عليها «فاغنر» الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، من جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، التي أنشأت «فاغنر» فيها قاعدة متقدمة في السنوات الأخيرة، ثم بدأت «فاغنر» أيضاً في تجنيد رجال من جمهورية أفريقيا الوسطى للقتال في السودان، وسرعان ما تقدمت «قوات الدعم السريع» إلى العاصمة الخرطوم.
وبعد وفاة زعيم «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، العام الماضي، باتت تميل إلى التراجع عن القتال في السودان. وقال كينغ إنه خلال شهرين ونصف الشهر في السودان، لم ير فريقه أي قوات من «فاغنر» من روسيا، رغم أنهم تتبعوا إشارات الهاتف التي تتنقل ذهاباً وإياباً بين الخرطوم وسانت بطرسبرغ.
أسير من «فاغنر» في أيدي الأوكرانيين
وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، عاد فريق كينغ إلى الوطن، ووصل برادا مع قوات جديدة من وحدة «تيمور». وتمكن فريقه من أسر مقاتل روسي من قوات «فاغنر»، وقتل اثنين آخرين. وقال برادا إن المقاتل الروسي اعتُقل خلال قتال في أمدرمان، المدينة التوأم للخرطوم على الضفة الغربية لنهر النيل، بعد أن ارتبك بشأن أي المقاتلين على أي جانب، وظل مكانه بعد انسحاب فريقه. كما ألقي القبض على رجلين سودانيين مع مقاتل «فاغنر» الروسي، وقال برادا إن فريقه قتل عشرات المقاتلين السودانيين الآخرين الذين يرتدون شارات «فاغنر». وأضاف برادا: «أصبحت (فاغنر) مثل امتياز تجاري في السودان: يقاتلون باستخدام السكان المحليين، ويعطونهم الشارات، ويدفعون لهم الرواتب، ويقولون لهم: أنتم الآن من (فاغنر). لم يكن هدفنا أبداً مطاردة جنود (فاغنر) الأفراد، لكن الهدف كان تعطيل المصالح الروسية في السودان».
وحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» فإن القوات الأوكرانية شرعت في تدريب الجنود السودانيين على بعض التكتيكات نفسها التي ساعدتهم على صد جيش روسي أكبر، لا سيما استخدام الطائرات المسيَّرة. وقال جنود أوكرانيون للصحيفة إن القوات السودانية طلبت بالفعل بعض الطائرات المسيَّرة المتفجرة ذات التحكم الراديوي، والتي تنفجر عند إصابة الهدف، لكن السودانيين كانوا يفتقدون أجزاءً مهمة منها. وتعقب الأوكرانيون المكونات التي يحتاجون إليها، وساعدوا في تزويدهم بطائرات مسيَّرة تركية متطورة من طراز «بيرقدار تي بي 2» قادرة على شن ضربات جوية دقيقة، وصلت في فبراير (شباط)، وفق مسؤول عسكري سوداني ومستشار في «قوات الدعم السريع».
وشدد الأوكرانيون على أهمية قطع إمدادات «قوات الدعم السريع» عن الخرطوم، وسرعان ما بدأوا في التركيز على مهاجمة الطرق الموصلة إلى المدينة. بواسطة طائرات مسيَّرة ذات تحكم راديوي تصطدم بشكل متكرر بشاحنات صغيرة مليئة بالمقاتلين أثناء عبورهم جسراً إلى الخرطوم.
وقال كينغ عن القوات السودانية: «كانوا متحمسين للطائرات المسيَّرة ذات التحكم الراديوي. في النهاية، تعلم عشرات الأشخاص، أو نحوهم، كيفية استخدامها وضرب الأهداف».
قطع طرق إمداد «الدعم السريع»
وقال جندي يبلغ من العمر 28 عاماً، من وحدة «تيمور» التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، إنه عمل أيضاً مع القوات السودانية لزرع الألغام في طرق الإمداد الموصلة إلى الخرطوم، وأكد أنهم قاموا في إحدى العمليات بتفخيخ شاحنة تعطلت في منتصف الطريق.
وأضاف: «في صباح اليوم التالي، عندما مرت شاحنة العدو المليئة بالمشاة والأسلحة، فجرناها». وعاد برادا وفريقه إلى أوكرانيا في وقت مبكر من هذا العام. ولم يتعرض أي من الفريقين الأوكرانيين لأي خسائر.
ولا يزال النفوذ الأوكراني ملموساً في السودان؛ ففي الأسابيع الأخيرة، استعادت قوات البرهان السيطرة على أجزاء كبيرة من أمدرمان، في أول تقدم كبير لها في الصراع. ويعزو الخبراء المكاسب، إلى حد كبير، إلى الضربات الدقيقة بالطائرات المسيَّرة، فضلاً عن نشر وحدات النخبة بالجيش السوداني. كما أرسلت كييف مؤخراً شحنة من دقيق القمح إلى بورتسودان وصلت الأسبوع الماضي.