أمثالك هم سبب بل_بس لــ68 عاما يا خالد عمر يوسف!!
عبدالغني بريش فيوف
أمام انهيار الدولة الخاطف منذ احتلال ميليشيا الجنجويد للخرطوم في 15 ابريل 2023، وأمام السلوك السياسي الذي يتناقض مع الحد الأدنى لاحترام الشعب وتطلعاته، تصبح الانتهازيّة هي التفسير الشائع الذي يعقلن كل ذلك ويجعله قابلًا للفهم.
دون أي خجل وحرج، كتب القيادي الاتنهازي بحزب المؤتمر السوداني، مقالا تحت عنوان (ماذا جنينا في 68 عاما من ال بل_بس في السودان؟)، متحدثا ليس تحديدا عن حرب ميليشيا الجنجويد على السودان، والمآسي التي يعانيها جراءها، بل تحدث عن حروبات وقعت في تأريخ السودان.
ونحن بالطبع، لم نفاجا ابدا بموقف خالد عمر يوسف الهروبي، لان المتتبع لسلوكه السياسي منذ نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، يلمس بدقة، انتهازية هذا الرجل الذي يضخم صورته بواسطة تزويد النرجسية ببوق فارغ المحتوى ومنعدمة الجذور في أرضية الواقع.
الانتهازي خالد عمر يوسف، في مقاله المعني، جعل منطلقه خداع الناس بوهم، انه ذلك المثقف السوداني الواعي الذي لا يريد الحرب ابدا في بلاده، متقمصا شخصية (نيلسون مانديلا)، العاشق للحرية والثبات على المبدأ. لكنه تناسى أو نسى انه قد قام بمبادرة بيع مبادئه- إن كانت له مبادىء أصلا -في سوق (آل دقلو) لممارسة النخاسة السياسية.
خالد عمر يوسف الذي صار قبل حرب الجنجويد على الجيش، أضحوكة على لسان السودانيين، إلا انه اليوم والخرطوم تشهد اعتداءا غاشما من الجنجويد الرباطة، تحول الى متسول آخر مـوديل، ليتخذ تسوله شكلا أكثر نخبوية، بحيث عوض أن يستجدي زعيم الجنجويد على قارعة الطريق بأسماله البالية، يتفنن في استعمال أرقى أشكال الخطاب المنمق باللغة الخشبية لحذف عزة القلوب وغسل أدمغة من هم دون مستواه، بمقال خشبي تحت عنوان ماذا جنينا من البل_بس.
انه يائسا يحاول، ان يؤسس لنفسه مشاريع مستقبلية وهمية.. معتقدا، بانه قد سجل الهدف الخسيس في مرمى الأدمغة المعرضة للغسيل.
تحدث السيد خالد عمر يوسف عن الحروب الوطنية -اي الحروب التي قادتها الحركات الوطنية المسلحة منذ عام 1955، وحاول بغباء شديد، ربط تلك الحروب بالغدر وخيانة ميليشيا الجنجويد للجيش السوداني في 15 ابريل 2023، وهذا الربط، إنما قياس مع الفارق، إذ لا يمكن مقارنة تلك الحروب الوطنية بخيانة الجنجويد.
كل هذا اللف والدوران واقحام الحروب الوطنية في السودان منذ 1955، في حرب الغدر والخيانة التي تخوضها ميليشيا الجنجويد، انما يقصد به عزيزي القارئ، تبرير ما تقوم به ميليشيا الجنجويد من افعال في الخرطوم -ولمّا لا !!، والسيد خالد عمر يوسف من الواهمين الذين يعتقدون، بان ميليشيا الجنجويد، ستجلب الديمقراطية والمدنية، بمجرد القضاء على الجيش، الذي يزعم انه -جيش الكيزان والفلول؟
اختتم المدعو خالد عمر يوسف، مقاله الخشبي، بالأتي:
هذه دروس وعبر تاريخنا الممتد من الحروب، في كل حرب كانت نخب البلاد ترفض الحل السلمي وترفع شعار “بل بس”. قامت ذات النخب باختراع ظاهرة التسليح الأهلي وانشاء المليشيات والجيوش الموازية، من أجل محاربة ما ظلت تسميه ب”التمرد”، ومن ثم بعد عقود من القتال، تتصالح مع التمرد بعد تقضي على الحرث والنسل وتعيد تسميته وتتقاسم معه السلطة، ولكن بعد أن تكون قد قتلت وشردت الملايين، وانهكت الدولة، وزادت وتيرة التسليح وصنعت جيوشاً موازية تضاعف من أزمة القطاع الامني والعسكري.
الآن بعد اندلاع حرب ١٥ أبريل، ينظر الكثير من متبعي نظرية “البصيرة أم حمد” لتقفي أثر أخطاء الماضي حذو النعل. بل بس وسحق التمرد ورفض الحلول السلمية والدعوة للتسليح الأهلي، لتحل مشكلة الجيش الموازي بخلق عشرات الجيوش الموازية بديلاً عنه!!
أرجو أن نستخلص من دروس تاريخنا أن الحرب ليست حلاً لأي من أزماتنا، وأن الحلول السلمية خير وأبقى وأقل كلفة، وأن حرب ١٥ أبريل هذه قد تكون آخر حروبنا إذا ما تراضينا على حل سياسي “جذري” يضع أساساً صحيحاً لدولة سودانية موحدة ذات سيادة تعبر عن جميع أقوامها بعدالة، وتنبذ ميراث الاقصاء والهيمنة، وتُصلح فيها المنظومة الامنية والعسكرية ليكون لدينا جيش واحد مهني وقومي لا علاقة له بالصراع السياسي ويلتزم بواجباته الدستورية في حماية الوطن من المهددات الخارجية، ويلتزم فيه الجميع بالديمقراطية فيصلاً في اختيار من يحكم وأي البرامج أصلح وأنفع للوطن وأهله.
عزيزي القارئ…
إذن، ما زالت النخب السياسية السودانية، وحتى اللحظة الراهنة، ومع كل الإخفاقات والفشل التي أوصلت السودان إليه، تمارس تدليسا واستغفالا وانتهازية وتلبيسا للمواقف بثياب الوطنية.
اكتفى خالد عمر يوسف في مقاله اعلاه، بما حققه من مكاسب وعوائد مالية جنجويدية، ضاربا عرض الحائط بحرب هذه الميليشا العابرة للحدود على الجيش السوداني منذ س15 ابريل 2023 -لان الجيش السوداني في نظره جيش (الكيزان والفلول) وحلال القضاء عليه من قبل الجنجويد، وبهذا الموقف الانتهازي، سقطت عنه التوجهات الوطنية المزعومة.
انه يمارس مغالطات مفضحة، تبدو منطقية في نظره، لكن يغيب عنه أن الشعب السوداني، يدرك ويعي أنها ليست سوى ضرب من ضروب التذاكي. وان هذا الشعب هو الكاشف لمحاولات تلك النخب، لتمرير أهدافها الخبيثة التي تتقاطع مع كثير من الشعارات واللافتات المرفوعة، والتي ليست سوى حصان طروادة تجيده كثير من تلك النخب ركوبه.
على الرغم من مأساوية ما يكابده الشعب السوداني، ومرارة ما يعانيه جراء حرب الجنجويد. يخرج لنا خالد عمر يوسف وأمثاله من النخب السياسية الفاشلة، ليتهربوا من المسؤولية بإنكار الوقائع القائمة والاستهتار بأسباب قيام هذه الحرب الجنجويدية ووسائل معالجتها، معولين على أكاذيبهم وعلى كل فرصة تسنح لهم لتعزيز أسباب التسلط والاستئثار والفساد.
إن أسوأ ما جاء في مقالة خالد عمر يوسف، ليس عجزه أو فشله في الايفاء بشطحاته السياسية، بقدر ما يمارسه من انتهازية ونفاق وتدليس نضالي مخادع، يخاطب عواطف الناس ويدغدغ مشاعرهم الوطنية الجياشة، برفع شعار (لا للحرب) الذي لا يعني شيئا، بينما ينخر هو وامثاله في جسد السودان حتى الثمالة.
سيظل السودان متعبا، طالما ظل متخما، بنخب وقوى سياسية واجتماعية وثقافية، تعاني من انفصام شاسع بين التنظير والسلوك، واجادة التوزيع، ولعب الأدوار بين السلطة والمعارضة، بينما لم تجد تقديم نماذج بناءة في تقديم حلول لمشكلاته الاقتصادية والسياسية والتنموية وولخ.
تلك النخب المخنثة، ضيعت طاقات وقدرات الأجيال المتعاقبة، في معارك ظن السودانيون، على أنها من أجلهم، بينما هي من أجل مصالح نخب، أجادت وتجيد تقديم نفسها كحارس أمين على السودان والقيم الوطنية.
يتطلع السودانيون، لنخب تزيهة وشريفة، لا تتكسب من آلامهم وأوجاعهم، ولا تتاجر بهم، تقودهم لنهضة حقيقة شاملة، ترسي دعائم الاستقرار والتقدم، لا نخب انتهازية، تزداد ثراء كلما زاد السودانيون فقرا، وتحصد مغانما سلطوية، كلما عجت السودان بمزيد من القلاقل والفوضى والاضطرابات.