هل نحن كذلك ؟!
أتساءل لماذا نصف أنفسنا بأننا أفضل الناس في الوقت الذي نتصدر فيه قوائم الفشل و نتذيل قوائم النجاح، لماذا نتفاخر بقيم وهمية في الوقت الذي لا نتورع فيه عن الغش والكذب والنفاق و السرقة، وما هو سبب تفاخرنا بحضارات قديمة في الوقت الذي نفتقر فيه إلى أبسط قواعد التعامل المتحضر؟!
لا نعرف استعمال عبارات مثل .. عفواً على الإزعاج، آسف، آسفة، آسفون، عن إذنك، من بعد إذنك، لو سمحت، إذا سمحت، لو تكرمت، شكراً جزيلاً .. إلخ !
نفتقد للذوق العام: لا نعرف الوقوف في صف، ولا نلتزم بقانون السير او اى قانون آخر، وليس لدينا أدني ذوق في القيادة، ولا حتى المشي في الشارع. كلامنا غليظ ينضح بالجلافة والتخلف، وطريقة أكلنا مقززة !
لا نعرف استخدام المرافق العامة ناهيك عن تنظيفها، شوارعنا مليئة بأوساخنا التي تزكم الأنوف، خاصة في الخريف الذي يتحول من نعمة إلى نقمة في بلادنا، ومراحيضنا مليئة بقذارتنا التي توقظ الميت بروائحها!
نحن غوغاء لا نعرف كيف نتحاور ولا نعرف معنى الحوار، ونعتقد أن رأينا هو الصواب المطلق، وأن الصوت العالي هو منطق ذلك الصواب المطلق. ونتسم بدكتارتورية غريبة، نريد غيرنا قطعاناً من الضأن (المطيع) و ليس حتى من الماعز ( الذي يحتاج إلى قليل من الترويض حتى يطيع)، لا نعير اهتماما بالملايين التي تؤيدنا، ونكره من يخالفنا حتى لو كان شخصاً واحداً، فنسعى لإسكاته وقتل شخصيته وجعله مثار السخرية، وقتله إذا وجدنا سبيلا لذلك. الدكتاتورية عندنا تبدأ من البيت وتنتشر الى المدرسة، والجامعة والمسجد والاستاد، ودهاليز السياسة وفي كل الأمكنة والأزمنة !
نحن انتهازييون: نعشق تجارة الازمات ونتاجر بأزمات ومعاناة الغير، وبسبب انتهازيتنا كنا وما زلنا وسوف نظل شريكاً أصيلاً في كل أزمة!
نحن أشد أهل الأرض حسداً لبعضنا، نحقد على الناجحين ونثبط عزيمة كل من يحاول النجاح فنكيد له أخبث المكائد حتى لو ادت الى الاضرار بانفسنا على طريقة ( عليّ وعلى أعدائي).
نحن سطحيون مهوسون بالقشور نهتم بالمظهر ونهمل الجوهر، ودونكم عاداتنا التافهة السخيفة في المناسبات السعيدة والحزينة على حد سواء، نبذل كل وقتنا وأموالنا في طقوس لا تقدم و لا تؤخر. تسببت عادات وتكاليف الزواج الباهظة في عزوف الفتيان والفتيات وانهيار مؤسسة الزواج وانتشار الرذيلة …
طقوس العزاء تضيف إلى أهل الميت مصائب فوق مصيبة الفقدان، أناس يثقلون على أهل الميت بالأكل والشرب والنميمة وأحاديث السياسة و كرة القدم والنكات واطلاق الضحكات، أما النساء ( فلانة قالت، فلانة لابسة شنو، فلانة عملت، فلانة سوّت، فلانة تطلقت، فلانة متشاكلة مع راجلها، فلانة متشاكلة مع نسابتها). منتهى البرود وعدم الإحساس…!
نحن منافقون، نظهر لغيرنا خلاف ما نبطن، نركض وراء مثالية زائفة، شديدو التناقض نكره قول الحقيقه ونصدق الوهم، ندِّعي التدين وكل كلامنا قال الله وقال الرسول بينما يستحي من افعالنا إبليس. نحلف بالله كذباً، ونغتاب بعضنا ثم نتهافت إلى الجوامع كي نصلي. نصوم ونحن نكذب، ونحج بمال حرام .
نحن متكبرون ومغرورن، نظن أننا ناجحون، بينما نحن فاشلون، لا تعليم جيد، لامستشفيات، لا شبكات صرف صحي ولا طرق، ولا دولة مؤسسات، كلنا مشاكل ولا نعرف أن لدينا مشكلة، ولا نريد أن نعرف أن هنالك مشكلة .. لأننا ببساطة لا نريد أن نعترف بأن لدينا مشكلة، ومعرفة المشكلة نصف الحل، وعوضاً عن معرفتها و معرفة حلها نتجاهلها أو نرميها على أقرب شماعة ..دا ما أنا، دا فلان، ودا علان!
هذا غيض من فيض المشاكل التي أودت ببلادنا الى مزبلة التاريخ، مشاكلنا كشعب ومشاكل النخب الفاشلة التي حكمتنا منذ ما يسمى بالاستقلال، وهذه النخب لم نستوردها طبعا من الخارج، ولم تسقط علينا من السماء بل هي من عمق مجتمعنا المليء بالمصائب وبالتحديد فينا كبشر، وتلك هي المصيبة التي أنا وانت شركاء في صنعها ..فلنبدأ بمعالجة أنفسنا .ولنصلح قاعدة الهرم حتى يصلح رأس الهرم، وهذا لا ولن يتأتّى إلا بثورة معرفية فكرية تخرجنا من المستنقع القذر الذي نقبع فيه منذ قرون!
* كتبه مشكورا الاستاذ (طه عثمان أحمد) .. فهل تتفقون معه؟!.