ورشة شرق السودان: إنشاء موانئ وقواعد عسكرية مرتبط بموافقة الهيئات التشريعية
الخرطوم ـ »القدس العربي»:
شددت التوصيات الختامية للورشة الخاصة بشرق السودان، في العملية السياسية الجارية في البلاد، على التعامل مع قضايا إنشاء الموانئ وتعاقدات إقامة القواعد العسكرية على سواحل البحر الأحمر، باعتبارها قضايا سيادة تمس الأمن والاقتصاد القومي، وبحثها والموافقة عليها قبل الشروع بأي تنفيذ لها، منوط بالهيئات التشريعية الولائية والقومية.
وشهدت الورشة، مواقف رافضة للخطوات التي قامت بها السلطات السودانية مؤخرا، بالتعاقد مع دولة الإمارات لإنشاء ميناء في منطقة أبو عمامة المطلة على البحر الأحمر. وكذلك أبدى المشاركون قلقهم من بناء قاعدة عسكرية روسية على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، مؤكدين على «ضرورة أن يتم البت في أي مشروعات ذات صلة بالأمن القومي عبر الأجهزة التشريعية، وفي ظل حكومة مدنية ديمقراطية».
وأعلنت الآلية الدولية الثلاثية المكونة من، الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد، والتي تعمل على تيسير العملية السياسية في السودان، أمس الأربعاء، التوصيات الختامية لورشة خارطة طريق الاستقرار السياسي والأمني والتنمية المستدامة في شرق السودان، والتي عقدت في الفترة من 12 وحتى 15 من الشهر الجاري.
مرجعية لصياغة النصوص
وقالت إن «هذه التوصيات هي ما توصل إليه المشاركون في الورشة، والتي ستكون مرجعية تستند إليها القوى الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري في صياغة نصوص الاتفاق النهائي وخارطة طريق الحكومة المدنية الانتقالية التي تتأسس بناء على الاتفاق النهائي».
وأشارت إلى أن «الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمهددات الأمنية والجريمة المنظمة في شرق السودان والبلاد بصورة عامة، ظلت تُلقي بظلالها على تحقيق التنمية المستدامة وحسن إدارة الموارد وتوظيفها إقليمياً وقومياً» معتبرة أن «النزاعات الأهلية أدت إلى حدوث انقسامات اجتماعية في الشرق». وأضافت: «وضع المشاركون والمشاركات من ممثلي القوى المدنية والسياسية والمجتمعية تصوراتهم ومقترحاتهم وتوصياتهم لوضع حلول موضوعية قابلة للتنفيذ تُسهِم في معالجات هذه الأزمات».
وحدة السودان وسيادته
ووفق التوصيات، «أمن المشاركون على وحدة وسيادة السودان على كافة أراضيه بحدودها المعروفة بما فيها مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد والفشقة والمناطق في جنوب طوكر، والتأكيد على حق مواطني الشرق في التمتع بالحقوق السياسية والمدنية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أساس المواطنة المتساوية».
وطالبت بـ«مراجعة الاستثمارات في شرق البلاد وإعادة كل الأراضي التي منحها النظام السابق للنافذين والمستثمرين بطرق غير شفافة وتفعيل دور لجان تفكيك نظام الـ30 من يونيو/ حزيران 1989، نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بما فيها تقنين وتسجيل الأراضي الزراعية المطرية وإعادة توزيع ما يثبت الفساد فيها على مواطني الاقليم بمعايير شفافة عادلة».
وشددت على «إبعاد الشركات العسكرية والأمنية من الاستثمارات في المجالات الاقتصادية والخدمية واستخراج الموارد الطبيعية في الإقليم».
مواقف رافضة للتعاقد مع دولة الإمارات لإنشاء ميناء في منطقة أبو عمامة
وأكدت على «نظام الحكم اللا مركزي والفدرالية القائمة على مستويات متوازية للحكم تشمل المحليات والولايات والأقاليم والحكومة الاتحادية» مطالبة بأن «يتم وفقا لذلك عودة إقليم الشرق موحدا أرضا وسكانا بولاياته الثلاث كسلا والقضارف والبحر الأحمر مع مراجعة تشريعات وتقسيمات الحكم المحلي الحالية، وأن يحظى مواطنو الاقليم بالتمييز الإيجابي».
ودعت إلى «الالتزام بالمشاركة السياسية العادلة للشرق في كافة مستويات الحكم الاتحادي والولائي في السلطة الانتقالية القادمة بعد إنهاء الانقلاب، بما فيها التمييز الايجابي لأبناء الإقليم في الخدمة المدنية وكافة هياكل السلطة الانتقالية وأن يُضمن ذلك في الترتيبات الدستورية الانتقالية الجديدة حتى قيام الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية».
ووفق البيان، «شهدت الورشة تبايناً حول آليات الحل السياسي النهائي المطروحة حاليا لأزمات الشرق، حيث رأى البعض أن الآلية المطلوبة تتمثل في إقامة منبر تفاوضي منفصل لقضايا السلطة والثروة في الإقليم، في حين رأى البعض الآخر أن المؤتمر التشاوري لقضايا شرق الإقليم وما ورد في مسار الشرق باتفاق سلام جوبا هو الآلية المناسبة».
وأكدت كذلك على أن «المخرج من أزمات الشرق المتعددة يكمن في الوصول إلى توافق سياسي بين مختلف التنظيمات السياسية والإجتماعية في الإقليم، وعلى حلول سياسية تنموية إستراتيجية عاجلة والوصول إلى طريق ثالث يخرج الإقليم من حالة الاستقطاب والانقسام السائد إلى أفق سياسي جديد».
معالجة التباين
وأشارت إلى «ضرورة التوافق على معالجة التباين بين آليتي الحل السياسي (المنبر/ المسار) بالتزام الحكومة المدنية الانتقالية باطلاق عملية سياسية جديدة تتوج بإقامة ملتقى سياسي تنموي لأهل الشرق برعاية ودعم دولي واسع فور تكوينها على أن تعمل السلطات وكافة المكونات والتنظيمات السياسية على أن تضمن هذه العملية في الترتيبات الدستورية الانتقالية الجديدة».
ودعت إلى «تطوير العمل السياسي في الإقليم بإشاعة الحريات والحق في المشاركة في العمل العام ونشر الوعي وثقافة الديمقراطية والرأي الآخر في مجتمعات الشرق مع إيلاء أهمية خاصة لرفع القدرات ودعم أدوار المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومنظمات شبابية ونسوية ونقابات ومنظمات غير حكومية في تطوير العمل السياسي والمشاركة العامة».
وأكدت كذلك، على «الإيفاء بحقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي طاولت انسان الشرق وإجراء التحقيقات اللازمة لتقديم مرتكبي تلك الجرائم إلى العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية، واحترام وتعزيز التنوع الديني وحرية المعتقد ومراعاة حقوق وشعائر الأقليات الدينية في الإقليم، إضافة إلى محاربة وتجريم خطاب الكراهية والعنصرية ونبذ الخطاب الداعي للفتنة والجهوية وإثارة النعرات».
وتناولت الورشة القضايا الاقتصادية والتنموية في الشرق، وأهمية التعامل الجاد معها من قبل السلطات الانتقالية لإزالة التهميش التنموي في الإقليم، مشيرة إلى «تعرض ثروات الإقليم وموارده الطبيعية والاقتصادية للاستغلال والنهب والإهمال وسوء الاستخدام».
وطالبت بـ«انشاء صندوق إقليمي لتحقيق التنمية المستدامة في الشرق أساسه تخصيص نسبة مقدرة متفق عليها من كافة إيرادات الموارد الطبيعية والاقتصادية الموجودة بالإقليم مثل الثروات في البحر الأحمر والذهب والرخام والكروم والنحاس والغاز الطبيعي والبترول وإيرادات الموانئ والجمارك فضلاً عن مساهمة الحكومة الاتحادية والتمويل الخارجي في تأسيس الصندوق».
ودعت إلى «توفير موارد ثابتة مرتبطة بمشروعات تنموية وخدمية محددة لإعادة بناء وتأهيل البنيات التحتية في الإقليم مثل المستشفيات والمرافق الصحية والمدارس ومشاريع المياه والكهرباء والطرق والمطارات والسكك الحديدية بالتركيز على المناطق الأكثر تأخراً والأكثر حاجة في الإقليم».
وأشارت التوصيات كذلك، إلى «ضرورة إنشاء بورصة عالمية للمحاصيل لتسهيل عملية التبادل التجاري بين ولايات الشرق ودول الجوار والعالم والعمل على مراجعة القوانين والسياسات التحويلية في البنك السوداني المركزي».
ولفتت إلى «أهمية تطوير قاعدة البيانات والمعلومات والدراسات حول مشروعات التنمية الكبرى والاستثمار في الشرق بما فيها البحوث الخاصة باستخدامات الأراضي والموانئ حتى لا تكون المشروعات التنموية والاستثمارية مطية لنهب الموارد أو انتهاك حقوق المجتمعات والسكان المحليين، وأن تؤدي للتلوث البيئي».
ونبهت إلى «الاهتمام بالتنمية والاستثمار في قطاعات الرعي والزراعة والصناعة والعمل على إحداث نقلة حقيقية في حياة مواطني الريف في الشرق».
وطالبت بـ«رفع حالة الطوارئ المفروضة على بعض مناطق الشرق بما يشمل منطقة طوكر، جنوب شرق ولاية البحر الأحمر، والذي فُرض في أعقاب الفيضانات الأخيرة» داعية إلى «تسهيل حركة الناس والتجارة ووضع القوانين والنظم التي تنظم وتسهل التجارة الحدودية بين ولايات الشرق ودول الجوار، على أن تضع في الاعتبار الفائدة الاقتصادية المباشرة لمواطني الإقليم».
ودعت إلى تنظيم مؤتمر اقتصادي تنموي دولي في شرق السودان لتوفير الدعم والاستثمار في المشاريع التنموية الكبرى.
وبما يخص المهددات الأمنية، ناقش المشاركون، قضايا الحدود والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة في الشرق وتوصلوا إلى إن «التعامل مع الأزمات المرتبطة بهذه القضايا يتطلب فهمها وتقديم الحلول لها في إطار العمل المشترك بين الجهات المختصة والمجتمعات المحلية».
استراتيجية قومية
وأوصت الورشة، بـ«وضع استراتيجية قومية للحد من انتشار الأسلحة غير المقننة والمخدرات والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة والعابرة للحدود والتركيز على تطوير الآليات المناسبة للتنفيذ بما فيها تأسيس مركز للرصد والإنذار المبكر في الشرق ومشاركة المجتمعات المحلية في وضع وتنفيذ تلك الاستراتيجيات والآليات».
وطالبت بـ«ترسيم الحدود وإظهار العلامات مع الدول المجاورة لشرق السودان، بما يشمل مصر وإثيوبيا واريتريا والحدود البحرية والمياه الإقليمية وحل نزاعات الحدود والأراضي».
ولفتت التوصيات إلى «ضرورة تطوير استراتيجية لإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بالحروب في الشرق بما يشمل دمج أو تسريح المقاتلين السابقين وتمليكهم وسائل انتاج وإزالة الألغام ومنع التجنيد على الأساس القبلي أو تجنيد الاطفال وإنشاء مفوضية خاصة لتنمية وتطوير المجتمعات الحدودية والمناطق المتأثرة بالحرب في شرق السودان».
يشار إلى أن العملية السياسية الجارية في السودان والتي تهدف إلى إنهاء انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وتسليم السلطة للمدنيين، وصلت إلى مرحلتها النهائية وفق الاتفاق الإطاري الموقع بين المدنيين والعسكر في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وحدد الاتفاق الإطاري، خمس قضايا للتداول حولها في المرحلة النهائية من العملية السياسية والتي من المنتظر أن تفضي إلى تشكيل حكومة في مارس/ آذار المقبل، وتشمل إضافة إلى وضع خارطة طريق لحل أزمات الشرق، تفكيك النظام السابق وتقييم اتفاق سلام جوبا- تم إكمال التشاور حولها- بينما تبقت قضايا العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري، والتي من المنتظر عقد ورش خاصة بها خلال الأيام المقبلة.