السودان: لجان المقاومة ترفض دعوة «الحرية والتغيير» لمناقشة الاتفاق مع العسكر
الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعلنت تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة السودانية الخرطوم، رفضها دعوة للاجتماع مع المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير»، للتشاور حول الاتفاق الإطاري المزمع توقيعه بين الأخير والعسكر، واصفة الاتفاق بـ«التسوية المعيبة»، بالتزامن مع احتجاجات في مدينة أمدرمان غرب الخرطوم، نددت بسقوط قتيل في تظاهرات رافضة للانقلاب داخل أحياء المدينة، أول أمس الخميس.
وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية، أمس الأول، مقتل المتظاهر محمد عمر (20 عاما)، متأثرا باختراق حجر مقذوف من سلاح (الأوبلن)، الذي تستخدمه الشرطة كقاذف للحجارة وشظايا الزجاج على المحتجين، ليرتفع عدد ضحايا الانقلاب العسكري إلى 120 قتيلا، فضلا عن أكثر من 6000 جريح.
وبينما يتصاعد الحراك الشعبي الرافض لانقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تسعى الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد، بالإضافة إلى الوساطة الرباعية بقيادة واشنطن والرياض، لدفع الأطراف السودانية للتوقيع على اتفاق ينهي الأزمة الراهنة في البلاد. وتوصل المجلس المركزي لـ “الحرية والتغيير»، الأربعاء قبل الماضي، لتفاهمات مع المجلس العسكري للتوقيع على اتفاق إطاري، مشيرا إلى أنه يستند على مسودة الدستور الانتقالي المطروحة من قبل اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، منذ سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، والتي تهدف إلى إنهاء الانقلاب والسلطة المدنية في البلاد. وفي وقت ترى فيه «الحرية والتغيير» أن العملية السياسية يمكن أن تخرج البلاد من الوضع الذي تصفه بـ «المأزوم»، تتمسك «لجان المقاومة» بشعار اللاءات الثلاثة « لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب.
وأكدت لجان مقاومة الخرطوم، في بيان مشترك أمس الجمعة، أن «بعض تنسيقياتها تلقى دعوة من قوى الحرية والتغيير بخصوص النقاش حول الاتفاق الإطاري المُزمع توقيعه بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، بالإضافة إلى كتلة الإنتقال الديمقراطي المكونة من أحزاب الاتحادي الأصل، مجموعة الحسن الميرغني، والمؤتمر الشعبي وجماعة أنصار السنة».
«لن تبيع دماء الضحايا»
وفيما رفضت لجان المقاومة الدعوة، اعتبرت الاتفاق الإطاري «منصة انطلاق للتسوية ومحفلا ومزادا لبيع دماء الشهداء، وتنازلا كاملا عن مطالب وقضايا الثورة والناس مُقابل حفنة من المناصب والمقاعد وكراسي الوزارة».
وأضافت أن «لجان المقاومة لن تساهم أو تناقش اتفاقا يُنكس الثورة ولن تبيع دماء الضحايا بثمن بخس»، مشيرة إلى أن موعد الشعب مع قادة الانقلاب «القصاص».
واعتبرت «تفاهمات الحرية والتغيير مع العسكر اختيارا لطريق الثورة المضادة»، مؤكدة أنها «ستظل تقف في مواجهة الانقلاب وضد التسوية وستواصل التصعيد حتى إسقاط الانقلاب».
واتهمت «الحرية والتغيير بمحاولة تفكيك لجان المقاومة في مدينة الخرطوم وعموم السودان ووضع العراقيل في سبيل عدم توحدها في ميثاق واحد تمهيداً لتمرير التسوية»، معتبرة «إرسالها دعوات لتنسيقيات دوناً عن تنسيقيات أخرى مؤشرا واضحا على تلك المحاولات».
كذلك أشارت تنسيقية لجان مقاومة أحياء كرري في أمدرمان، غرب الخرطوم، الى أنها «تلقت دعوة من تحالف قوى الحرية والتغيير لمناقشة الاتفاق الإطاري»، مضيفة: «إنهم يسمونه اتفاقا، ونحن نسميه تسوية معيبة».
وأكدت أن رؤية اللجان واضحة حول الاتفاق، واصفة إياه بـ«المهزلة»، متهمة الحرية والتغيير بـ«التحالف مع العسكر ومنح الانقلاب قبلة أخرى للحياة، وأنها ضربت بمبادئ وأهداف وتضحيات السودانيين عرض الحائط»، معتبرة الاتفاق «خيانة» للثورة.
وقالت إنها تأسيسا على مسودة «الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب» التي وقع عليها عدد من لجان المقاومة، قررت رفض دعوة الحرية والتغيير والرفض التام لأي «عملية سياسية لا تضمن تعليق حبال المشنقة حول رقاب قتلة ضحايا الانقلاب».
اعتبرته «مزادا لبيع دماء الشهداء» و«تسوية معيبة»… وتنديد بمقتل متظاهر في أمدرمان
وأعلنت إيقاف التواصل السياسي والميداني مع أي جسم يقبل بمسودة التسوية مع قادة انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، داعية إلى مواصلة التصعيد والمقاومة السلمية لإسقاط الحكم العسكري وتحقيق سلطة الشعب.
وأضافت: أن «قدر هذا الجيل من السودانيين، هو إيقاف الدائرة الشريرة للانقلابات في البلاد»، مؤكدة أنها «لن تؤجل المعركة».
يشار إلى أن «الحرية والتغيير» قالت إنها لن تمضي في أي اتفاق نهائي مع العسكر دون موافقة قوى الثورة، مؤكدة أنها تضع في الاعتبار التحديات والمزالق التي تحيط بالعملية السياسية في البلاد.
وبينت أن رؤيتها للعملية السياسية أن تكون ذات مصداقية وشفافية وتنهي الانقلاب وآثاره وتكمل مهام الثورة السودانية، موضحة أنها تتضمن توقيع اتفاق إطاري يستند على التفاهمات التي جرت بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي، والتي شملت ملاحظات الجانب العسكري حول مشروع الدستور الانتقالي.
وتضمنت كذلك وضع إطار دستوري لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية انتقالية تستكمل مهام الثورة السودانية، في المرحلة الأولى للاتفاق. ونصت على أن يتم تطوير الاتفاق الإطاري بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة وقوى الثورة وصولا للاتفاق النهائي.
وأكدت أن الاتفاق النهائي حسب الرؤية المعلنة، سيناقش مع جميع قوى الثورة وأصحاب المصلحة، قضايا العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني وتفكيك النظام السابق وإصلاح اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وحسب «الحرية والتغيير»، «الهدف الأساسي من توقيع الاتفاق الإطاري إخراج العسكر من المواجهة مع الشعب، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في البلاد»، لافتة إلى «الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي تعرض لها السودانيون بسبب الانقلاب».
وأشارت إلى «تلقيها وعودا من المجتمع الدولي بعودة كل البرامج والمساعدات الاقتصادية والإنمائية للبلاد عقب التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إنهاء الانقلاب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي في البلاد».
وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نفذ القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، انقلابا عسكريا ضد الحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيون والعسكريون لأكثر من عام، قبل أيام قليلة من موعد تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، حسب اتفاق أبرم في نوفمبر/ تشرين الأول من العام ذاته.
وفي 4 يوليو/ تموز الماضي، أعلن البرهان خروج العسكر من العملية السياسية، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة انتقالية.
وقبل نحو شهرين، قالت «الحرية والتغيير» إنها تلقت عبر اتصالات غير رسمية، ملاحظات من العسكر حول مشروع للدستور الانتقالي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وأنها اعتبرته قاعدة جيدة للعملية السياسية في البلاد.
إلغاء الوثيقة الدستورية
والمشروع الذي أعلنته اللجنة يلغي الوثيقة الدستورية الانتقالية لسنة 2019، تعديل 2020، وكل القرارات التي صدرت بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بما في ذلك كل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت في ذلك الوقت.
ونص الإعلان الذي طرحته اللجنة للتداول على أن تتكون هياكل الحكم من مجالس للسيادة والوزراء والتشريع والأمن والدفاع، على أن يكون مجلس السيادة مدنيا، يكون رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها والقائد الأعلى للقوات المسلحة ويراعى فيه التمثيل الإقليمي.
وخلال تنوير عسكري لكبار الضباط في الجيش والدعم السريع، الأربعاء الماضي، قال البرهان، إن العسكر لم يوقعوا على أي اتفاق ثنائي مع أي جهة، مشددا على أنه «لن يفرط في وحدة المؤسسة العسكرية». وأشار إلى أن أي «صيغة تأتي بحكومة مستقلين غير حزبية، وتتوافق عليها القوى السياسية، ستكون مقبولة من قبل القوات المسلحة، على أن تضمن تماسك البلاد وتحفظ كرامة القوات النظامية بما يمكنها من القيام بواجباتها الوطنية»، حسب بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة السودانية.
ولم يصدر البرهان حتى الآن موقفا واضحا من الاتفاق الإطاري، في وقت ظل فيه يؤكد خلال خطاباته الأخيرة على وصاية العسكر على الحكومة المرتقبة، مع إشارته إلى تفاهمات مع بعض مكونات «الحرية والتغيير».