آلاف السودانيين تظاهروا رفضا للتسوية مع العسكر… واتهامات للأمن بممارسة القمع
الخرطوم ـ «القدس العربي»: شارك الآلاف من المحتجين في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، في تظاهرات غير مركزية، ترفض التسوية مع قادة انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتطالب بالحكم المدني الديمقراطي.
ونددت لجنة أطباء السودان المركزية بعودة قوات الأمن إلى استخدام الرصاص خلال التظاهرات الأخيرة، وحذرت من التمادي في قمع المحتجين السلميين، مؤكدة أن أيا من مرتكبي الانتهاكات لن يفلتوا من العدالة.
وقالت في بيان إن «السلمية ستظل سلاح السودانيين في مواجهة حكومة الانقلاب»، متهمة القوات النظامية المنوط بها حماية المدنيين بالتورط في قمع المتظاهرين.
وجاءت تظاهرات الأمس استجابة لدعوات «تنسيقيات لجان المقاومة» في مدن البلاد المختلفة، حيث دعت لأداء صلاة الجمعة في الميادين العامة وانطلاق تظاهرات غير مركزية في جميع أنحاء البلاد.
وتأتي مليونية «رفض التسوية» بالتزامن مع ذكرى ثورة 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1964، التي أسقطت نظام الرئيس السوداني الأسبق إبراهيم عبود، والذي قاد أول انقلاب عسكري في البلاد.
واستبقت السلطات الاحتجاجات بإغلاق جسر المك نمر الرابط بين مدينتي الخرطوم وبحري، بينما نفذت قوات الأمن حملات تفتيش في بقية الجسور وعدد من الشوارع الرئيسية.
وعلى الرغم من قمع قوات الأمن للتظاهرات التي انطلقت من داخل الأحياء، عقب صلاة الجمعة، في العاصمة الخرطوم وإطلاق قوات الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع بكثافة على المحتجين، استطاعت مواكب أمدرمان غربي الخرطوم، كسر الطوق الأمني والوصول إلى مباني البرلمان.
وتوجه المحتجون في مدينة الخرطوم نحو شارع أفريقيا شرق مدينة الخرطوم، رافعين شعار اللاءات الثلاث « لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب.
وقالت «لجان مقاومة الخرطوم»، في بيان، إن «تطلعات الشعب في تأسيس سلطة مدنية كاملة لن تتحقق بالتفاوض مع العسكر»، مؤكدة أن مشاركتهم السلطة في الفترة الانتقالية «خطأ» لن تسمح بتكراره اللجان.
التضامن مع ضحايا العنف القبلي
وفي مدينة بحري شرقي الخرطوم، تجمع المحتجون في منطقتي المؤسسة وشمبات، حيث قاموا بإغلاق محيط الاحتجاجات بالمتاريس (حواجز من الحجارة وإطارات السيارات المحروقة)، رافعين شعارات للتضامن مع ضحايا الصراعات القبلية في النيل الأزرق وغرب كردفان، كما تطالب بإسقاط الانقلاب ومحاسبة قادته وعودة العسكر للثكنات.
وقالت لجان مقاومة بحري في بيان، إن الذكرى الثامنة والخمسين للثورة ضد نظام عبود، تمر بينما لا يزال الشعب السوداني يعاني من انتهاكات المؤسسة العسكرية للحريات والحقوق، لافتة إلى التداعيات الأمنية في البلاد بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسقوط مئات السودانيين في أحداث العنف القبلي في البلاد.
طالبوا بمحاكمة المتورطين في قتل المحتجين وأعمال العنف القبلي
وأشارت إلى أن السلطات خلال العام الماضي، أطلقت سراح عدد من المتهمين في جرائم قتل المحتجين منذ انطلاق ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، والذين سبق وأصدرت في مواجهتهم الأجهزة القضائية أحكاما بالإعدام.
ولم تقتصر الاحتجاجات على العاصمة الخرطوم، حيث خرج آلاف المتظاهرين في عدد من المدن الأخرى رفضا للانقلاب والتسوية مع العسكر، أبرزها، الفاشر وزالنجي والأبيض غرب البلاد، والقضارف وكسلا في الشرق بالإضافة إلى الدويم وكوستي وسنجة في الجنوب ورفاعة و ود مدني وسط السودان.
حرمة الظلم
وفي مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، أدى المصلون صلاة الجمعة، في ميدان «الخير»، وسط المدينة، حيث نددت الخطبة بالأزمة الاقتصادية والأمنية في البلاد، مؤكدة على حرمة الظلم وأهمية إصلاح حياة الناس.
وواجهت قوات الأمن المحتجين بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة، كما أغلقت محيط أمانة حكومة الولاية، التي حددتها لجان المقاومة.
وهتف المحتجون في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، مطالبين بسقوط قادة الانقلاب ومحاكمة كل المتورطين في قتل المحتجين وأعمال العنف القبلي في البلاد.
وقالت لجان مقاومة المدينة إن الثورات السودانية جاءت نتيجة لتراكمات تاريخية، واجه فيها الشعب كل أنواع الديكتاتورية والقمع، بينما ظل يقدم التضحيات الجسام من أجل تشييع الانقلابات العسكرية إلى مثواها الأخير، مضيفة: ما زلنا صامدين ولن نستلقي حتى إسقاط الانقلاب وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي في البلاد.
ومنذ انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتصاعد التظاهرات الرافضة للحكم العسكري في البلاد، في ظل أوضاع أمنية واقتصادية متردية.
وراح ضحية قمع الأجهزة الأمنية للاحتجاجات خلال الأشهر العشرة الماضية، نحو 117 قتيل معظمهم بالرصاص، وفق لجنة أطباء السودان المركزية، بينما أصيب أكثر من 7000 آخرين حسب إحصاءات منظمة حاضرين لعلاج مصابي الثورة السودانية.
وتعيش البلاد حالة من الفراغ الدستوري والحكومي، في ظل فشل قادة الانقلاب في تكوين حكومة جديدة بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وتعليق العمل بعدد من مواد الوثيقة الدستورية الخاصة بالحكم والشراكة مع المدنيين.
وتشهد مناطق عديدة في البلاد أحداث عنف أهلي، أودت بحياة المئات من السودانيين، وراح ضحية الصراع المندلع في إقليم النيل الأزرق جنوب شرق البلاد والذي تصاعد خلال اليومين الماضيين 200 قتيل، بينما أصيب المئات ونزح الآلاف.
وفي 4 يوليو/ تموز الماضي، أعلن القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خروج العسكر من العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية المشتركة المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة مدنية تدير البلاد وصولا للانتخابات.
وقرر حل المجلس السيادي وتكوين مجلس للأمن والدفاع عقب تكوين الحكومة، قال إنه سيكون معنيا بمهام الأمن والدفاع ومهام أخرى يتوافق حولها مع الحكومة المدنية.
وبعدها بيومين، أعفى البرهان الأعضاء المدنيين الخمسة في المجلس السيادي، بينما أبقى على القادة العسكريين الأربعة وثلاثة ممثلين للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.
وعلى الرغم من مضي أكثر من ثلاثة أشهر، على إعلان العسكر الخروج من السياسة، إلا أن الأوضاع في البلاد لا تزال تراوح مكانها، في وقت نفى المجلس المركزي للحرية والتغيير انخراطه في مفاوضات ثنائية مع العسكر.
واكد تمسكه بإنهاء الانقلاب العسكري وخروج العسكر من السلطة، مشددا على رفض العودة للشراكة بين المدنيين والعسكريين، كما طالب بإصلاح المؤسسة العسكرية ودمج المجموعات المسلحة في جيش وطني موحد.
وأعلن الإثنين الماضي، عن رؤيته الخاصة بأسس ومبادئ الحل السياسي لإنهاء الانقلاب والتي نصت على أن تقوم الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد، بتسهيل ودعم العملية السياسية ودعم مجهودات السودانيين للوصول لحل ينهي الانقلاب، ويؤسس لسلطة مدنية ديمقراطية، بمشاركة الآلية الرباعية في تيسير العملية السياسية ودعمها وتوفير الضمانات الخارجية المطلوبة.
وحسب الرؤية، يكون مشروع الدستور الانتقالي المعد بواسطة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين الأساس المعتمد للحل السياسي، فيما يخص الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش واحد مهني وقومي يحمي الوطن والمواطن وينأى بالجيش عن السياسة ويراجع النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية والأمنية وينقي الجيش من عناصر النظام السابق ويؤسس لعلاقة صحية بين المدنيين والمؤسسات العسكرية وإصلاح جهازي الأمن والشرطة وتبعيتهما كاملة للحكومة التنفيذية، على أن تكون وفق مصفوفة مفصلة تحدد جداول المواقيت والمراحل للإصلاح الأمني المنشود.
ودعت إلى عملية شاملة للعدالة الانتقالية تكشف الجرائم وتحاسب المنتهكين وتنصف الضحايا بما يضمن عدم الإفلات من العقاب، وعدم تكرار الجرائم مرة أخرى، مشددة على تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وإصلاح الأجهزة العدلية بما يشمل وزارة العدل والنيابة العامة والقضاء، بصورة تحقق استقلاليتها ونزاهتها ومهنيتها.
ونصت على تشكل لجنة وطنية بصلاحيات النائب العام للتحقيق في كل الجرائم المرتكبة قبل وفي وبعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم 3 يونيو/ حزيران، بدعم دولي فني ومالي وأن يتم ذلك بمشاركة واسعة لذوي الضحايا.