كيف دفعت الضرائب الباهظة لإغلاق الأسواق الرئيسية في السودان؟
سودان تربيون :
توقفت شركات وقود في السودان عن العمل مطلع الاسبوع ليومين على التوالي، وأغلقت محطات الخدمة أبوابها أمام السيارات، ما أحدث أزمة خانقة واكتظاظاً بالمحطات الحكومية القليلة التي واصلت العمل في تزويد السيارات بالوقود دون أن تنضم للإضراب الشامل الذي أعلنت عنه شركات وكلاء محطات وقود خاصة في وقت سابق، لتلتحق بموجة الإغلاق التي انتظمت أسواق كبيرة في انحاء متفرقة من السودان احتجاجاً على الضرائب الباهظة التي فرضت عليهم.
يقول وكلاء محطات الوقود إن إدارة الضرائب هي التي أوصلتهم إلى هذا الوضع ودفعتهم دفعاً إلى طريق الإضراب.
كيف بدا المشهد؟
كشفت جولة قامت بها “سودان تربيون” مطلع هذا الاسبوع على عدد من محطات الوقود بالخرطوم، عن توقف المحطات عن العمل بالكامل لكنها استأنفت عملها في وقت لاحق.
وشكا وكلاء من الزيادة الفادحة في الضرائب التي وضعت عليهم هذا العام بنسبة 100% عن تقديرات العام 2021، دون التوصل لتفاهمات مع سلطات وزارة المالية بشأن خفضها.
ورصدت “سودان تربيون” استمرار شركات بشائر، نبتة، والنيل في تقديم الخدمة وتزويد السيارات بالوقود دون توقف.
هل تتمدد الاحتجاجات لتبلغ العصيان المدني؟
في غضون ذلك بدأت أسواق مدينة الأبيض وعدداً من المدن الكبيرة بولاية شمال كردفان، منذ الثلاثاء قبل الماضي، إغلاقاً كاملاً للمحال التجارية التي تبيع بالجملة والتجزئة،وقال سكان محليون في كل من الأبيض، وتندلتي، والجبلين: إنهم واجهوا صعوبات في الحصول على احتياجاتهم من السلع الاستهلاكية.
وقال المواطن “عمر رباح” الذي يعيش في تندلتي: ” امتد الإغلاق إلى البقالات ومحال التجزئة التي تعمل داخل الأحياء، كان ذلك إضراباً شاملاً حتى بات عسيراً أن نحصل على احتياجاتنا اليومية من السلع”.
أحد التجار بمدينة تندلتي تحدث لسودان تربيون عبر الهاتف قائلا: ” الضريبة التي فرضت تفوق جملة رأس المال الذي اعمل به” واستطرد: “عندما حاججت بالبيانات والسجلات المالية التي قدمتها لديوان الضرائب حسب طلبهم أخبرني موظف، بطريقة غير رسمية، إنّ البيانات التي نقدمها تعتبر إجراءً شكلياً وغالباً لا ينظر إليه الموظفون عندما يضعون التقديرات الضريبية”
وحددت موازنة العام 2022 سقفاً للإيرادات الضريبية بحوالي (1,943 مليار) جنيه بنسبة زيادة 145% عن الموازنة في العام 2021، وتمثل الايرادات الضريبية حوالي 58% من إجمالي الإيرادات.
ويدافع عاملون في ديوان الضرائب بأن الزيادات التي فرضت جاءت لتتناسب مع حالة التضخم الذي تعيشه البلاد، كما أنّ الأسعار شهدت ارتفاعاً مضطرداً بما يؤشر على زيادة الأرباح.
وقال (ب) وهو موظف في الضرائب تحدث لسودان تربيون شريطة إخفاء اسمه: “ليس صحيحاً إن الزيادة بلغت في بعض الأحيان (600%) لقد وضعت الزيادة الأكبر على المنفستو الخاص بعربات النقل وهو أقل من تلك النسبة” وأضاف ” بلغت نسبة الزيادة في ضريبة القيمة المضافة لهذا العام (17%) بدلاً عن نسبة (10%) التي عرفت ثباتاً طوال السنوات الماضية”
يرفض تجار بسوق السجانة هذا الزعم ويقولون إنّ الضرائب تعتمد تكتيكات غير قانونية ولا منطقية، إذ تجنح لفرض تقديرات باهظة وهي تهدف لجر أصحاب الأعمال إلى مساومة مع لجانها التي تشكلها للاستئناف تنتهي بأن تقر مبلغاً مالياً أقل ولكنه لا يتناسب كذلك مع حجم الأعمال.
يقول وكيل أحد مصانع الحديد الصلب بسوق السجانة: “إنّ جباة الضرائب يأتون إلينا برفقة أفراد من البوليس ويضعونك أمام خيارين إمّا السداد أو التوقيف”.
ويضيف: “حتى هذه القواعد الخاصة بعملية استئناف التقديرات الضريبية، تبدو مجحفة إذ عليك أن تسدد 50% من جملة المبلغ المفروض قبل أن تمثل أمام لجنة الاستئناف، وهذا يكون في بعض الأحيان غير ممكن”.
يقر موظفو الضرائب الذين تحدثنا إليهم بانعكاس الزيادات الضريبية وتأثيرها على جملة الوضع الاقتصادي المتداعي ولا سيما على الشرائح الأضعف في المجتمع، في الوقت تذيل السودان فيه قائمة الدول التي انخفض فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي، ووفقاً لقائمة “EconWatch” فقد انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السودان بالقيمة الحالية للدولار الأمريكي بنسبة 76٪ عن عام 2017 واحتل السودان المرتبة 164 من أصل 165 دولة رصدتها القائمة.
ويوما بعد الآخر تتسع دائرة إغلاق الأسواق الكبرى سيما في الولايات حيث بدأ الإغلاق بولاية سنار أعقبتها القضارف والفاو وتمبول، كما أعلن التجار بأسواق الدويم وكوستي التحضير للإضراب يومي الأحد والاثنين القادمين فيما نفذ تجار عطبرة الأربعاء إغلاقا ناجحا.