لا يمكن لأيتام الحزب الشيوعي صناعة ”التغيير الجذري” في السودان..
عبدالغني بريش فيوف
وقال السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب في مؤتمر صحافي بالخرطوم، اليوم الأحد، إن التحالف سيضم كل القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة المؤمنة بالتغيير الجذري، والرافضة لأفكار التسوية مع الانقلاب.
وبحسب الخطيب فإن الأوضاع تدهورت إثر ذلك على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستدعي توحد القوى الثورية الحية لإسقاط الانقلاب واستلام السلطة وتنفيذ مشروع تغيير جذري شامل.
وأوضح الخطيب أن “البلاد عاشت خلال الشراكة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير وإلى الآن مرحلة متقدمة من الفقر والمجاعة والتبعية للخارج والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي”.
وقال إن برنامج التغيير الجذري يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية قطاعياً ومناطقياً وإنهاء الحرب واستدامة السلام، وعدم التفريط في سيادة البلاد ومواردها، عدا عن التشديد على ضرورة تحقيق التداول السلمي للسلطة وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.
وأضاف الخطيب أن التحالف سيضم الأحزاب السياسية المؤمنة بفكرة التغيير الجذري والنقابات ولجان المقاومة والتنظيمات المدنية التي حملت السلاح دفاعاً عن قضايا مناطقها، دون ذكر أسماء تلك الأجسام مباشرة، وأكد أن قوى الحرية والتغيير لن تكون جزءاً من التحالف لأنها تمثل مصالح طبقات اجتماعية متعايشة مع النهج السياسي الاجتماعي الذي أورد البلاد موارد طوال أكثر من 60 عاماً من الاستقلال البلاد.
وأكد أن قوى الحرية والتغيير لا تزال مؤمنة بالتسوية مع العسكر وتسيير عكس تطلعات الشارع الثوري، كما استبعد مشاركة الجبهة الثورية، التي تضم حركات مسلحة وقعت اتفاق سلام مع الحكومة، لأنها وحسب قوله متعاونة مع العسكر.
ولفت إلى أن الانقلاب الحالي في أضعف حالاته ويعاني من انقسامات داخلية، موضحاً أن السودان كله في وضع ثوري خارج إرادة القوى الداخلية والخارجية التي تريد التحكم في مجريات الأمور في السودان.
وذكر الخطيب أن قوى التغيير الجذري ستنشئ مركزاً موحداً لقيادة الحراك الثوري والتجهيز للعصيان السياسي والإضراب المدني، كما ستنشأ مراكز موحدة في كل البلاد تقود الحراك الثوري، وتستلم السلطة في الولايات والمحليات بعد سقوط السلطة المركزية.
****
أعلاه عزيزي القارئ، هو بيان الحزب الشيوعي الذي يتحدث عن التغيير الجذري، والحزب الشيوعي نفسه، لا يعرف التغيير الذي يؤدي إلى ثبات اليات التداول السلمي للسلطة وتوزيع الأدوار السياسية في داخله.. فكيف له ان ينادي بالتغيير الجذري؟.
يقول مهاتما غاندي (كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم)، لكن الحزب الشيوعي منذ ان هبط اضطراريا في السودان، آتيا من الاتحاد السوفيتي، لم يعرف قط عملية استبدال وتغييّر قياداته، ولا مكاتبه التنظيمية إلا بالموت، إذ انه عادة ما يلجأ لأساليب المخادعة، لإبقاء الحالة كما هي، من خلال طرح طروحات مزيفة ساذجة مثل “ما هو البديل؟”، أي على اعضاءه القبول “بالديناصورات” لأن البديل المجهول، سيدمّر الحزب.
لأكثر من خمسين عاما، لم يسمع الشعب السوداني، إلا بالمرحوم (نقد) كقائد للحزب الشيوعي السوداني، ولولا موته، لمّا سمعنا بمحمد مختار الخطيب الذي تم تكليفه سكرتيرا عاما للحزب، وحتما لم ولن يغادر موقعه المقدس هذا إلا بزيارة ملك الموت له.
إذن، حزب لا يعترف ولا يعرف الممارسة الديمقرطية اسلوبا، حزب مريض، مضر بنفسه وبغيره، حزب يحمل من فيروسات مضرة بسلامة الدولة، وبسلامة الشعب، لا يمكنه ابدا ابدا ان يتحدث عن التغيير الجذري الشامل، إذ ان هذه المهمة لها متطلباتها ومحدداتها وشروطها الخاصة وتنظيماتها وقياداتها.
يتحدث هذا الأخطبوط عن، تحالف سياسي جديد لإسقاط الانقلاب العسكري واستلام السلطة بالمركز والولايات. لكن إذا نظرت لهذا التحالف في عمقه، ستجده مستنسخ من بعضه، ذات جذع مشترك واحد، ويتفق جميعه في عرقلة إقامة جسم ثوري سوداني موحد لإسقاط الانقلاب وتحقيق اهداف الثورة.
يقول الخطيب في فقرة من فقرات بيانه المليء بالاتهامات للقوى السياسية الأخرى: (أن الخط المعارض قبل سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير انقسم إلى اثنين، الأول تبنى فكرة التغيير داخل النظام وهو ما أطلق عليه قوى الهبوط الناعم، والآخر اختار طريق الثورة لإسقاط النظام، وقد نجح التيار الثاني لكن الثورة وبعد السقوط انحرفت بفعل الشراكة بين العسكر وقوى الهبوط الناعم عن مسارها وتوج ذلك بانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي).
وإذا كان من العبث أن يحاول الإنسان تغيير جلده ليصير أكثر بياضاً أو سواداً أو ما شاء من الألوان، فإن الأكثر عبثية أن يحاول السيد محمد مختار الخطيب اتهام القوى السياسية الأخرى ب(الهبوط الناعم)، وحزبه أيضا كان ضمن ذات القوى التي فاوضت العسكر والجنجويد، وكان ضمن القوى التي هندست الوثيقة الدستورية (المعيبة)، وهو بالتالي دون روتوش وميكب، جزء أصيل من قوى (الهبوط الناعم)، ولا يستطيع التملس من تحمل المسؤولية والابتعاد عن “قحت”. إذ ان محاولته اتهام الآخرين بالهبوط الناعم، إنما هو كالغراب الذي أراد أن يمشي مختالاً كالطاووس فلم يزده ذلك إلا تشوهاً في مشيته وانحرافا في مسلكه، لتقوده انانيته إلى الصدام مع لجان المقاومة وقوى الثورة الحية.
الشيوعي السوداني الذي يتحدث عن التغيير الجذري، حزب تكلس وتوقف عنده الزمن، لأنه مازال يعيش هالة الزعامات التاريخية، ويغزل على أيديولوجيا تجاوزتها الظروف والأحداث، فهو غير مؤثر بدرجة كبيرة على صناعة القرار السياسي في السودان، ويعاني من التأزم الداخلي في أطره التنظيمية، والتناقض الواضح بين الشعارات الحزبية والممارسات الفعلية، ويشيع فيه ثقافة الإقصاء والتبرير للأخطاء والاجتهاد المغلوط والمرجوح لقضايا المجتمع، والعيش في إطار الماضي ألفاظا وإنتاجا وممارسة. وحزب بهذه الرداءة والديناصورية، لا يمكنه ان يسوقنا نحو التغيير الجذري المطلوب في السودان.