تقييم ما حدث في باشدار يبدأ بالاتفاق على معايير التقييم
(1)
محمد جلال أحمد هاشم
الخرطوم – 27 يوليو 2022م
منهجية المعايير نفسها
أولا، لتقييم أي تجربة، أو أي سلوك إنساني، أو حتى سلوك الحيوانات والطبيعة، لا بد. من الاتفاق على المعايير التي ستحكم عملية التقييم؛
ثانيا، لا يمكن أن نتوقع أن يكون هناك اتفاق في المعايير نفسها. ولهذا تكمن ضرورة اختطاط المعايير كيما نتمكن من الحكم على المصداقية العملية للجهة التي تريد أن تقوم بتقييم التجربة، ذلك مقابل الأسس النظرية التي وضعتها للتقييم. ثم كذلك لنحكم بعد ذلك على المصداقية الأخلاقية إزاء التزامهم بمعايير التقييم التي وضعوها بأنفسهم.
ثالثا، أدناه سوف نحاول أن نحدد بعض قواعد تقويمية تتعلق بالعمل العام الجماهيري (المسيرات تحديدا) ما بين القوى السياسية من جانب، ولجان المقاومة من الجانب الآخر.
القاعدة الأولى
القوى السياسية (الأحزاب) والنقابية وقوى المجتمع المدني تكتسب شرعيتها الوجودية، أولا، داخل نفسها بموجب قناعتها بضرورة وجودها وسرعة ذلك دستوريا من داخلها، وثانيا، بموجب تقنين وجودها من قبل الدولة؛
القاعدة الثانية
لهذه القوى المذكورة أعلاه دورُها ومقارُّها، ولا يجوز لأي جهة أن تمارس أي نشاط داخل دورها دون تنسيق معها؛
القاعدة الثالثة
لجان المقاومة هي أجسام ثورية، ما يعني أنها تعمل بموجب شرعيتها الثورية المستمدة من نفس الشرعية الثورية التي جعلت الشعب يخرج للشارع في مظاهرات جماهيرية وبطريقة سلمية في أكتوبر (1964م) وأبريل (1985م) بهدف إسقاط أنظمة الحكم، وبالفعل كان لها ذلك. وهذا يعني أن لجان المقاومة تختلف جوهرياً عن الأجسام السياسية والنقابية والمدنية المشار إليها أعلاه، من حيث الطبيعة ومن حيث الشرعية، ما يعني عدم جواز معاملتها بنفس الطريقة التي تُعامل بها الأجسام أعلاه؛
القاعدة الرابعة
تمخضت وتشكلت لجان المقاومة من داخل رحم الشرعية الثورية لثورة ديسمبر المجيدة (2018م) التي لا تزال مستمرة في طيلة هذه السنوات الأربع. وقد اكتسبت مشروعيتها الثورية عبر الفعل وليس عبر التنظير، لدرجة جعلت، ليس فقط المؤسسات المشار إليها في القاعدة الأولى، ثم النظام الانقلابي العسكري الجنجويدي، بل المنظمات والحكومات الإقليمية والدولية، تعترف بوجودها كقوة فاعلة على الأرض لا يمكن تجاوزها. ولهذا ظلت تسعى وتعمل كل القوى المشار إليها أعلاه (وطنيا وإقليميا ودوليا) لمقابلتها واستصحابها في مجمل التسوية الجارية الآن، أكانت تسوية سياسية أم تاريخية؛
القاعدة الخامسة
أصغر دائرة اجتماعية تشكلت عبرها لجان المقاومة هي الأحياء الشعبية، ما يعني أن هذه الأحياء تخدم (ضمن ما تخدمه ثوريا) كدور ومقار للجان المقاومة. وهذا يعني أنه من حق أي قوة اجتماعية أو سياسية أو خلافها، أن تضرب بأقدامها شوارع هذه الأحياء، لكنها لا يجوز لها (ذلك طالما اعترفت بلجان المقاومة كقوة على الأرض تنطلق من الأحياء السكنية) أن تقيم أي نشاط ثوري ثابت (مثل الاعتصامات أو إقامة منصات للمخاطبات الجماهيرية)، دون التنسيق مع لجان المقاومة في الحي السكني المعني، ذلك لنيل موافقتها، إن لم يكن مشاركتها. وعليه، أي سلوك لأيٍّ من القوى المشار إليها أعلاه لا يعترف بهذه الشرعية الثورية للجان المقاومة، سوف يطعن موقفُها هذا في اعترافها بلجان المقاومة نفسها، ما يمكن أن يُفضي إلى تقويض لجان المقاومة، وبالتالي محق ثوريتها. فإذا كانت للأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني دورُها ومقارُّها، فالأحياء السكنية هي دور ومقار لجان المقاومة.
ثم ماذا بعد؟ بعد هذا نأتي لتوصيف المشهد السياسي باعتبار قواه التالية:
1) معسكر النظام الانقلابي الجنجويدي وأذيالهم من حركات مصلّحة وتنظيمات الموز والذهب)؛
2) قوى الحرية والتغيير؛
3) قوى التغيير الجدري؛
4) لجان المقاومة (بكل فصائلها).
وهذا ما سنتكلم عنه لاحقا. فهذه بعض نقاط عابرة سوف نواصل في توسيعها ما اقتضى النقاش والحوار حولها.
MJH