هل قرر “حميرتي” اقامة دولة الجنجويد بمساعدة حركات الكفاح المصّلح في دارفور؟
عبدالغني بريش فيوف
منذ ما يقرب على شهرين، غادر زعيم ميليشيا الجنجويد محمد حمدان دقلو المعروف ب”حميرتي”، العاصمة الخرطوم إلى دارفور، بحجة الصلح بين المكونات القبلية المتناحرة هناك، وأعلن حميرتي، أنه لن يعود إلى الخرطوم ما لم ينته العنف القبلي في دارفور ويتحقق الاستقرار الأمني في الإقليم المضطرب.
غير ان الواقع وبالرغم من وصول زعيم الجنجويد الى دارفور، إلا أن الوضع الأمني المتدهور، ظل في حاله، بل ازدادت حالات التناحر والاقتتال بين المكونات القبلية المختلفة في الاقليم بمجرد وصول زعيم الجنجويد إليه، مما يعني ان “حميرتي” نفسه لا يستطيع ايقاف نزيف الدم، كون ميليشياته هي المسؤولة عن كل الاضطرابات الأمنية والتهجير القسري في دارفور.
عزيزي القارئ..
يستطيع آل دقلو وحميره من جبناء حركات الكفاح المصلح، ان يقولوا ما يريدونه عن سبب مغادرة دقلو إلى دارفور ومن ثم بقاءه هناك طويلا، ذلك ان الواقع هو ان اقامة الرجل في دارفور، لا علاقة لها اطلاقا، بمسعى وقف الاقتتال بين المكونات الدارفورية المختلفة، بل لها علاقة بالسلطة التي يبحث عنها الرجل بكل الطرق والوسائل منذ ان ظهر في الساحة السياسية.
لا يختلف اثنين في السودان على ان الرجل يريد ان يكون رئيسا على بأي ثمن، لكن بعد ان فشل في كسب عطف الشعب السوداني، ليأتي رئيسا عليهم، لم يبقى أمامه سوى اللجوء إلى الجغرافيا الضيقة التي اتى منها، لمواصلة أوهامه حول السلطة التي يريدها بكل الطرق والوسائل.
إذن، اعتكف الرجل في دارفور بحجة تحقيق الصلح بين القبائل والمكونات الدارفورية المتناحرة، لكن من وراء هذا الاعتكاف الطويل، يقف التعبئة القبلية والجهوية وعينه على السلطة طبعا.. ولِمّ لا، و”ليو تولستوي”، في تحليله، الجنون أفضل من العقل، يقول: “الجنون أفضل من العقل، والذين لا يملكون العقل يصلون إلى أهدافهم، فهم لا يقيمون للحواجز اي أهمية، فلا الخجل ولا الكذب ولا حتى الخوف ولا انعدام الضمير يمنعهم من الوصول إلى ما يريدون”.
نعم، هذا الجنجويدي الأجنبي، لا يخفي حبه للسلطة والتسلط، فالشخص المتسلط، هدفه هو السيطرة الانفرادية، والهيمنة المطلقة على الآخرين، تسيطر عليه مشاعر الإعجاب بالسلطة وبالكبرياء، يريد أن يمتلك زمام الأمور دائما ويخضع الآخرين لمشيئته وإرادته.
في زيارته لدارفور، لم يكن الرجل وحيدا في طائرته، بل شحن معه كل من الطاهر حجر والهادي ادريس، عضوا مجلس الانقلاب، وعدد من قيادات حركات النضال الدارفوري المصلح، وبعد وصوله الى مدينة الجنينة، انضم إليهم، خميس أبكر وعمدة المساليت السلطان بحر الدين وعدد من الادارات الأهلية هناك.. ويقال انه بعد اجتماع “حميرتي” بالشخصيات المذكورة، بات جميعهم على شبه وفاق مرحلي، حول قضايا دارفور والقضايا القومية، أهمها موضوع السلطة في السودان التي شددوا على ان محمد حمدان دقلو احق بها.
والجنجويدي الاجنبي في اجتماع الجنينة، إذن خلق أوهاما متعددة، لعل من بين أخطرها، هو إيهام المجتمعين به ومعه، بأحقية تكريس السلطة والاحتفاظ بها خدمة للصالح العام، وانه وحده القادر على درء حالة الفوضى والمخاطر المحدقة وسحق نظرية المؤامرة التي تحاك بالسودان.. وهكذا يظل هذا المستبد غائصا حتى النخاع في تسلطه.
اقامة دولة الجنجويد التي تضم دارفور وجزءا من تشاد والنيجر، هي الخطة ب، حتى يتحقق حلم آل دقلو في السلطة، ويبدو ان “حميرتي” قد تيقن بانه لم ولن يصبح رئيسا للسودان حتى لو قتل 99% من شعبه، ولذلك لجأ الى خطة “ب” بعد ان اشترى حركات النضال “المصلح” في دارفور بالمال أرخصه.
بدأ الجنجويد بتنفيذ خطة “ب” عملياتيا، وذلك بتخريج قبل أسبوعين من هذا التأريخ، كتيبة (دقو جوة) باشراف محمد حمدان دقلو شخصيا، وتعتبر كتيبة دقو جوة، أول كتيبة جنجويدية، تتبع لحركات النضال المصلح الدارفورية، لينكشف بذلك بند من البنود السرية العشرة الموقع عليها في العاصمة التشادية “أنجمينا” بين الحركات الدارفورية وزعيم الجنجويد محمد حمدان دقلو في بداية عام 2020، باشراف الراحل ادريس ديبي.
نعم، الآن، حركات النضال المصلح في دارفور، عدا حركة عبدالواحد محمد نور، أصبحت جنجويدية أكثر من الجنجويد أنفسهم، وتشير كل الدلائل إلى ان تلك الكتائب الجنجويدية -ككتيبة دقو جوة مثلا، هي التي ستقوم بقتال مواطنو دارفور بدلاً عن جنجويد آل دقلو.. وباندماج الحركات الدارفورية، قواتها في ميليشيات الجنجويد، اتضح ان قادة هذه الحركات، كانوا مجرد ظواهر خداعة، يملؤون الدنيا ضجيجا، ويظل إناء أفعالهم فارغـا، لا تعنيهم مصلحة الشعب الدارفوري إلا بقدر ما تقربهم من السلطة، أو تحفظ لهم زعامتهم ومكانتهم في حياتهم، وتضمن لهم الثروة والمال، تقصر عزائمهم عند ملاحقة تطلعات الشعب، فيظهر تقزمهم في المواقف المصيرية.
بإسم الكفاح والنضال، وصلوا الى السلطة وتقلدوا الوظائف الكبيرة في الدولة، لكن ليس من بينهم مناضل حقيقي واحد.. لا تكاد تجد لهم موقفا تؤطرهم فيه، أو تصنيفا تصنفهم من خلاله، وتعددت المواقف وعز الحزم والحسم.
هؤلاء المناضلون المزيفون السفهاء الخونة، سلموا دارفور على طبق من ذهب، للقاتل محمد حمدان دقلو “حميرتي”، ليقيم عليه دولته الجنجويدية، ليس هذا فحسب، بل وافق كل من مني اركو مناوي وجبريل والطاهر حجر والهادي ادريس وبقية الجوقة، أن تعمل قواتها أجيرة لدى تلك الدولة الجنجويدية وتحت إمرة قادتها.. لكن يبقى السؤال المهم مطروحا، وهو: هل يسمح المناضلين الشرفاء من أبناء دارفور، بإقامة دولة للجنجويد القادمين من كل فجاج أفريقيا، في أرضهم؟