السودان: لجان المقاومة تصف اتهام البرهان للمتظاهرين بـ«انتهاك السلمية» بالتلفيق
الخرطوم ـ «القدس العربي»: وصفت لجان مقاومة الخرطوم، أمس الأحد، اتهامات القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، للمتظاهرين بـ”بانتهاك السلمية” بالتلفيق، مؤكدة أن السلطات العسكرية ظلت تحاول جرّ المتظاهرين للخروج عن السلمية، لكنهم بالمقابل متمسكون بـ”المقاومة السلمية حتى إسقاط الانقلاب”.
وقال المتحدث باسم هذه اللجان، الفضيل عمر، لـ”القدس العربي”، إن “العسكر منذ فجر انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استخدموا كل أشكال القمع المفرط في مواجهة المتظاهرين السلميين”، مشيرا إلى أن ذلك “ظل نهج السلطات منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير”.
واتهم السلطات العسكرية وقادة الانقلاب بتنفيذ عمليات اغتيال لمنسوبيها ومن ثم محاولة تلفيق تلك الجرائم للمتظاهرين، كما حدث مع المتظاهرين محمد آدم الشهير بـ”توباك” وأحمد الفاتح ومصعب شريف ومحمد الفاتح وغيرهم.
وأكد أن لجان المقاومة ستظل تتمسك بالسلمية حتى إسقاط الانقلاب، وأن أدواتهم السلمية معروفة في مجابهة الانقلاب.
وأضاف: “حتى أساليبنا المبتكرة لم تحد عن السلمية.”
ولفت إلى أن “المحتجين في تظاهرات 6 يناير/ كانون الثاني والتي توجهت نحو القصر الرئاسي، قاموا بإسعاف أفراد الشرطة المتأثرين بالغاز المُسيل للدموع في منطقة السكة حديد (شروني)”.
وبين أنهم بـ”صدد العمل على توحيد مواثيق لجان المقاومة في مختلف الولايات والخروج برؤية موحدة لإسقاط الانقلاب واستكمال الانتقال الديمقراطي” .
اتهامات البرهان
وكان البرهان قد اتهم في مقابلة مع قناة “الحرة”، المتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط الانقلاب بـ”انتهاك السلمية ومهاجمة أقسام الشرطة والمقرات الحكومية”، على حد قوله.
وبيّن أن “قوات الأمن لديها تعليمات واضحة بعدم مهاجمة من يريد التعبير عن رأيه، وأنها مأمورة بعدم حمل الأسلحة أو مطاردة المتظاهرين، وأن تبقى في مواقعها وتحافظ على ممتلكات الدولة”.
وفي وقت تقول فيه السلطات السودانية إن قواتها مأمورة بعدم حمل السلاح، قُتل نحو 102 متظاهر خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات السلمية، معظمهم بالرصاص، وفق لجنة أطباء السودان المركزية، وأصيب نحو 6000 آخرين، حسب إحصاءات منظمة “حاضرين لعلاج مصابي الثورة السودانية.”
وبعثت السلطات السودانية رسالة لمجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، قالت فيها أن المتظاهرين قاموا بالتعدي على عدد من مؤسسات الدولة وأقسام الشرطة، وطلبت اعتبار هذه الرسالة وثيقة، وتمريرها للدول الأعضاء في مجلس الأمن.
كذلك أرسلت في مارس/ آذار الماضي، رسالة لمجلس الأمن الدولي، وصفت فيه تقرير ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، بـ”عدم الحياد” في إحاطة قدمها في الشهر نفسه أمام المجلس، وسبق ذلك إطلاق البرهان تهديدات بطرد بيرتس الذي كان قد أشار في إحاطته إلى “استمرار المطالبات بإنهاء الحكم العسكري على شكل احتجاجات متكررة في الخرطوم وأماكن أخرى، وأنه في الوقت نفسه، ما زال المتظاهرون يُقتلون أو يعانون من إصابات خطيرة بفعل استخدام السلطات الذخيرة الحية”.
وأشار إلى أنه منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استهدفت الاعتقالات على نحو متزايد قادة الاحتجاج وأعضاء لجان المقاومة فضلاً عن القادة السياسيين بتهم جنائية.
وأبدى “قلقه بشكل خاص لجهة أنّ النساء ما زلن مستهدفات وعرضةً للعنف والتخويف من جانب أفراد قوات الأمن”، مشيرا إلى أن “التقارير أفادت بأنّ 16 امرأة تعرضن للاغتصاب أثناء الاحتجاجات في الخرطوم” .
وفي نهاية زيارته الأخيرة للبلاد، في 6 يونيو/ حزيران، قال المقرر الأممي الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، آداما دينغ، إن هناك حاجة لاعتماد قوات الأمن السودانية، إجراءات جادة لوقف قتل المتظاهرين.
وندد باستخدام قوات الأمن الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين السلميين، مطالبا بإجراء تحقيقات ومحاسبة المسؤولين بالخصوص.
وأدان قتل نحو 100 شخص وجرح الآلاف نتيجة الاستخدام المفرط للعنف من قبل القوات الأمنية المشتركة في تصديها للمظاهرات، والاعتقالات الواسعة التي نفذتها الأجهزة الأمنية.
استخدام القوة المفرطة
وحسب تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، استخدمت قوات الأمن المشتركة القوة المفرطة مرارا وتكرارا ضد الاحتجاجات السلمية المناهضة للانقلاب خاصة في ولاية الخرطوم، مشيرا إلى رصد 93 حالة قتل للمتظاهرين خلال قمع الأجهزة الأمنية التظاهرات بينهم امرأة و15 طفلا (14 فتى وفتاة) بالإضافة إلى 5000 مصاب بينهم 46 طفلا (44 فتى وفتاتان) وذلك في الفترة من بداية الانقلاب وحتى 10 أبريل/ نيسان الماضي. وأشارت إلى مقتل 86 متظاهرا بالذخيرة الحية وأن 70 بينهم أصيبوا في الرأس أو الرقبة أو الصدر، و16 آخرين قتلوا نتيجة إصابتهم بالرصاص في مناطق أخرى.
وبين أن 4 متظاهرين قتلوا بسبب إصابتهم بعبوات الغاز المسيل للدموع في الرأس والرقبة والصدر بالإضافة لـ2 قتلا بسبب الضرب المبرح.
وأشار إلى أن 3 من القتلى كانوا ضمن المارة، بينهم طفلة تبلغ من العمر 14 عاما.
وحسب التقرير، أصيب 691 سودانيا بالذخيرة الحية وتعرض 1573 للإصابة بقنابل الغاز المسيل للدموع، وعانى 692 من صعوبات في التنفس بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع، فضلا عن تعرض 44 متظاهرا للدهس بسيارات الأجهزة الأمنية.
وأشار إلى “استخدام أسلحة فتاكة ضد المتظاهرين، منها بنادق (أي كي17) الهجومية والمدافع الرشاشة”، معتبرة ذلك انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي ينظم استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل جهات مكلفة بإنفاذ القانون، ويحظر استخدام الأسلحة النارية والذخيرة التي تسبب أذى لا مبرر له، أو تنطوي على مخاطر لا مسوغ لها.
إلى ذلك، نددت لجنة أطباء السودان المركزية باستخدام السلطات سلاح الخرطوش، الذي يطلق جزيئات كثيفة لمتناثر الرصاص على المتظاهرين السلميين.
وقالت في تقرير، أول أمس السبت، إن عدد الضحايا الذين سقطوا بسلاح الخرطوش الذي وصفته بالقاتل الجديد، منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بلغ 8 قتلى، كان آخرهم الأستاذ الجامعي هاشم ميرغني، الذي قتل خلال قمع الأجهزة الأمنية تظاهرات 16 يونيو/ حزيران في مدينة أمدرمان غربي الخرطوم.
وحسب التقرير، أصيب هاشم بعدد كبير من الطلقات المتناثرة اخترقت الصدر، وكذلك انتشرت داخل الأحشاء وبالقرب من الشرايين والأوردة في الصدر والبطن والرأس.
وأشارت إلى أن عدد المصابين بسلاح الخرطوش منذ بداية الانقلاب بلغ نحو 747 متظاهرا، وأن تظاهرات 21 مارس/ آذار، وحدها، شهدت حوالى 101 اصابة بسلاح الخرطوش، وأن اللجنة رصدت حالة إصابة بـ(27) طلقا ناريا متناثرا في جسد متظاهر واحد.
وبينت أن معظم الإصابات القاتلة بسلاح الخرطوش كانت في الرأس والعنق والصدر والبطن، مشيرة إلى أن خطورة هذا السلاح تتمثل في العدد الكبير من الطلقات الصغيرة التي أدت إلى سقوط 8 قتلى.
وكذلك تؤدي الإصابة بسلاح الخرطوش إلى مضاعفات مثل الألم المزمن، خاصة بعد الإصابة المباشرة للأعصاب والإصابات تحت الجلد، بالإضافة إلى تسببه في ضعف حركة المفاصل.
ولفتت اللجنة إلى تعقيدات العمليات الجراحية وصعوبة إزالة الشظايا المتناثرة داخل الجسد بعد استقرارها في مناطق حيوية، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزيف في حال محاولة إزالة جزيئات مقذوف الخرطوش.
ويرتبط سلاح الخرطوش بمضاعفات نفسية وسريرية أخرى، أبرزها الإصابة بالتوتر والقلق وغيرها من المضاعفات النفسية والسريرية.
وبينت اللجنة أن أول مرة تم فيها استخدام الطلق الناري المتناثر، ورُجِّح أنه سلاح الخرطوش أو طلق انشطاري- كان في 2019 وأُعيد استخدامه بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
ونوهت إلى أن عدد الإصابات بسلاح الخرطوش التي أوردتها في التقرير، هي فقط للحالات التي تم رصدها في المستشفيات، مشيرة إلى أن العديد غيرها من الإصابات الخفيفة بهذا السلاح تم علاجه بواسطة فرق الإسعافات الميدانية خارج المشافي ولم يتم رصدها.
«لن تتراجع»
وقالت إن تمسك المتظاهرين بالمقاومة السلمية على الرغم من عنف السلطات واستخدامها آليات محرمة وغير الأخلاقية، يثبت يوماً بعد يوم أن الثورة السودانية لن تتراجع وستمضي إلى تحقيق غاياتهم وأنَّ المقاومة ستستمر إلى أن يسقط الانقلاب.
يشار إلى أن السلطات السودانية اعتقلت عشرات الناشطين السياسيين ووجهت لهم تهم قتل منسوبي الأجهزة الأمنية، وحرق مقار وسيارات الأجهزة الأمنية، في المقابل لم تمض في اتخاذ إجراءات عملية بخصوص التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين برصاص الأجهزة الأمنية.
ويخضع 6 من الناشطين السياسيين السودانيين لمحاكمة، بعد اتهام السلطات لهم بقتل عميد شرطة في تظاهرات 13 يناير/ كانون الثاني الماضي. كما تحتجز 9 آخرين منذ 3 أشهر، قالت إنهم مشتبه بهم في مقتل ضابط في الاستخبارات، لم تفتح بلاغات ضدهم أو توجه لهم تهما رسمية، حسب عضوة هيئة الدفاع عنهم، رنا عبد الغفار، التي قالت لـ”القدس العربي” إنهم معتقلون سياسيون، محتجزون بشكل غير شرعي من قبل السلطات التي لم توجه لهم أي تهم أو تفتح في مواجهتهم بلاغات رسمية.
وأكدت تعرض 3 منهم للتعذيب والإخفاء القسري لأيام، في مقار سرية للأجهزة الأمنية.