صاندي تلغراف: مغامرة بوتين الكارثية في أوكرانيا عرت بلاده كقوة من العالم الثالث
لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “صاندي تلغراف” تحقيقا حول آثار الحرب الروسية على أوكرانيا وكيف غير قرار الرئيس فلاديمير بوتين وضع روسيا إلى الأبد. وقال دانيال جونسون إن بوتين هو أكثر زعماء العالم عزلة في العالم، وقبل 3 أشهر غزا أوكرانيا ليثبت أن روسيا هي قوة عظمى من الدرجة الأولى ليكشف أنها قوة عالمية من الدرجة الثالثة.
كما أن تظاهر بوتين بأنه “عبقري” سياسي، كما وصفه دونالد ترامب بطريقة غير حكيمة، تكذبه عزلته الكاملة تقريبا، فالمستبد أصبح سجينا لجنون العظمة. وعول على أساليبه القديمة من سياسة فرق تسد ليوحد الغرب ضده ورفض الأوكرانيين لحكمه.
وبدا أستاذ سياسة الواقع في مصيدة، فقد فيها ثلث قواته الغازية بدون نتائج ليظهرها. وحتى المعلق العسكري الدائم في تلفاز الدولة العقيد ميخائيل خودارنوك، أخبر المشاهدين أن الدعاية الرسمية عن تدهور معنويات الجيش الأوكراني ليست صحيحة. وحذر قائلا إن روسيا ستواجه ملايين الأوكرانيين المسلحين بالأسلحة الحديثة التي قدمها الغرب لهم وإنهم مستعدون للقتال حتى آخر رجل.
وأضاف “بشكل عام كل العالم ضدنا وهو الوضع الذي يجب علينا الخروج منه”. فهل كانت هذه هي مواجهة للحقيقة أم محاولة للكرملين من أجل تخفيض سقف التوقعات؟ وعلق غاري كاسباروف، بطل العالم السابق للشطرنج والمعارض للنظام أن التحدث بهذه الطريقة لا يكون بدون إذن.
وتحولت الدعاية من النبرة الانتصارية لواحدة تقدم روسيا على أنها ضحية للغرب. ففي يوم النصر في 9 أيار/ مايو بالساحة الحمراء في موسكو لم يعلن بوتين عن انتصارات، فالزعيم المستبد الذي يبدو مريضا وقف أمام شعبه خاوي اليدين. وكان مشهدا متناقضا للحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) التي جاء ليحيي ذكراها ومؤلما للمحاربين القدماء.
ويحمل بوتين الغرب على دفعه لهذه الحرب التي استهلكت جيلا من الروس وأكثر مما سقط في حرب أفغانستان والشيشان وجورجيا مجموعة. وتجنب التعبئة العامة مفضلا التجنيد الإجباري كإشارة عن حاجته الملحة. وانهار المحور الروسي- الصيني الذي عول عليه بوتين في دعمه، بعدما لاحظ الرئيس الصيني شي جين بينغ ما تعرض له الجيش الروسي. ولم يكن أقل كارثية من تخلي كل من السويد وفنلندا عن الحياد وقررتا الانضمام لحلف الناتو.
وبجرة قلم وسع بوتين حدود بلاده مع الناتو إلى 800 ميل. ويواجه نكسات في البحر سواء في بحر البلطيق أو المحيط المتجمد الشمالي. وتراجع تأثير روسيا في الشرق الأوسط. ومن الدول العربية لا تزال سوريا موالية له. أما إسرائيل فقد أبعدت نفسها، رغم وجود جالية كبيرة من المتحدثين بالروسية. وحملت روسيا اللوم في الشرق الأوسط وأفريقيا مسؤولية المجاعات الناجمة عن توقف القمح الأوكراني. وربما أدى تصرف بوتين المتهور لقطع شريان حياتهم ووفاة الملايين حول العالم وأزمة غذاء عالمية.
وبالإضافة للهزيمة العسكرية في كييف وخاركيف، وهزيمته الدبلوماسية، يعاني بوتين من الحصار الاقتصادي. فقد أثبتت العقوبات الغربية أنها أقوى مما توقع بشكل أدى لتراجع الاقتصاد الروسي وعمق الركود. فبلد يعتمد على تصدير الطاقة وبيع السلاح لا يمكنه عزل زبائنه، وهذا ما فعله بالضبط بوتين. واستطاع الاتحاد الأوروبي قطع حاجته من الفحم الحجري وقد يوافق على فرض حظر على النفط الروسي، لكن الغاز من الصعب استبداله، مع أن دول أوروبا تجد وبشكل متزايد بدائل عن بوتين. واستفادت الصين، البديل الأكبر لبوتين من الوضع وتقايض بقوة.
وبالنسبة للسلاح، فحتى دول عدم الانحياز، مثل الهند التي تشتري السلاح من موسكو منذ الخمسينات قررت تعليق صفقة مروحيات مع روسيا. وخرب أداء جيشه في أوكرانيا جهود عقد قضاه لإعادة بناء الجيش الروسي وتسويق بلاده على أنها مصنعة للسلاح الحديث والمتقدم. وضيع جهد جيل استنفذ لإقناع الشركات الأجنبية الاستثمار في روسيا وفي أسابيع. فقد قررت ماكدونالدز إغلاق 800 فرع لها من سانت بطرسبرغ إلى فلاديفوستك. وفي عام 1990 فتحت السلسلة أول مطاعمها في موسكو بنوع من الحماس الكبير حيث تدفقت الجموع أمام المطعم لتذوق ما كان محرما عليها. وكما كان وصول “بيغ ماك” نهاية للاتحاد السوفييتي، ومن هنا يعني إغلاق أبوابه إشارة عن العودة للجوع ونقص المواد الغذائية. كما وأغلقت شركة رينو مصنعا لها، حيث أعلن عمدة لندن عن تأميمه لها والعودة إلى انتاج سيارة “موسكوفيتش” المعروفة بالعهد السوفييتي.
ورغم مساحة روسيا الشاسعة إلا أن اقتصادها هو مساو لاقتصاد كوريا الجنوبية أو دولة “أوروبية متوسطة الحجم. وترى الصحيفة أن الوضع الديمغرافي الروسي من ناحية تدني معدلات الخصوبة ومستوى الحياة والهجرات الجماعية تعني أن المنظور الاقتصادي لها سيكون قاتما. وجاءت هذه الحرب حيث حولت هذه البلاد الشاسعة الغنية بالمصادر إلى سلة غذاء من دول العالم الثالث.
وبالتأكيد فسلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها نخبة البلاد الواسعة والغنية كشفت عن المؤسسة الأمنية التي تحكمها وأدارت هذه الحرب. ويهاجم بوتين القادة العسكريين والأمنيين وأمراء الحرب الذين اختارهم بنفسه. وتم عزل الكثيرين أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية ومات أوليغارش في ظروف غامضة. وما يجري عملية تطهير بالقوة، لكن واحدا لم يتجرأ ويوجه إصبع الاتهام على الرجل في مركز الشبكة.
وبعد دخول فوضوي لأوكرانيا وانسحاب فوضوي من كييف أرسل بوتين رئيس هيئة الأركان الجنرال جيراسيموف، لقيادة حملة دونباس. لكن الرئيس تولى الآن دور القائد الأعلى وإدارة الوحدات الصغيرة بمستوى عقيد. وهذا الدور لضابط مخابرات سابق يقود الوحدات عن بعيد ليس مشرفا لمكانه فقط بل وغير مفيد.
وطالما عامل بوتين وزير خارجيته سيرغي لافروف بهذه الطريقة. وقال دبلوماسي أمريكي إنه عندما كان يجلس مع لافروف في حوار معقد كان يخرج هاتفه ويهمس “بوتين” فلا أحد يتخذ قرارا بدون موافقة الرئيس.
وكان دور بوتين المهمين على الجيش والحياة المدنية سببا في تكبد الجيش الروسي أسوأ هزائمه منذ الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا. وكان الهجوم المتعدد الجبهات يقصد باستخدام القوات المحمولة جوا للسيطرة على الحكومة الأوكرانية وثانية من الشمال للسيطرة على كييف وجيش ثالث يسيطر على ماريوبول وبحر أزوف وساحل أدويسا، وكل العملية ستنتهي في أيام أو أسابيع.
وثبت أن كل ملمح من خطة بوتين الحربية قام على افتراضات خاطئة. واعتقد أن جيشه متفوق مع أنه قائم على جنود خائفين بقيادة عقيمة فاسدة. ولم يستمع بوتين لنصائح جنرالاته ومن تجرأ على قول ما لا يريد سماعه وبخ. ويجب على بوتين ألا يلوم غير نفسه لأنه أحاط نفسه بمجموعة من المتملقين.
وكمستبد أسكت معارضيه والإعلام وأرسل عملاءه لملاحقتهم في الفنادق والعواصم الغربية، يجب ألا يشعر بالدهشة عندما يكتشف أنه منفصل عن الواقع.
وتقوم عقيدة الجيش الروسي التي شكلها الجنرال فاليري جيراسيموف وطبقت في شبه جزيرة القرم، على حرب متناسقة – الإرهاب والتخريب والدعاية والمرتزقة والجيوش للتفوق العسكري.
وكما قال الجنرال سير روبرت فراي، قائد البحرية البريطانية السابق فإن الأوكرانيين كانوا انجح في تطبيق عقيدة جيراسيموف من الروس. ومن أسوأ أخطاء بوتين أنه رفض التعامل بجدية مع غريمه، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وأثبتت الأشهر الأخيرة أن بوتين الذي يحكم روسيا مدة أطول مما حكم ستالين سقط، أما الكوميدي السابق الهاوي سياسيا فقد صعد.
وبناء على أوامر بوتين فشلت ثلاث محاولات لاغتيال زيلينسكي بداية الحرب وقام بها مرتزقة فاغنر ومقاتلي الشيشان. وعندما فشلت المحاولات علق الروس في كييف وقرروا الانسحاب بعد خسائر فادحة إلى الحدود ليلعقوا جراحهم. وخلفوا وراءهم مذابح وجثثا ودمارا، وكان أشد القتال في ماريوبول الذي استمر 80 يوما.
وبعد فشل الجيش الروسي في السيطرة على خاركيف “وادي السيلكون” في أوكرانيا، بات الروس يركزون جهودهم للسيطرة على ما تبقى من دونباس. والهدف هو إجراء استفتاء مزور في خيرسون وإضافة جمهورية أخرى إلى لوهانسك ودونيستك. ورغم وحدة الغرب في مواجهة بوتين وعدوانه إلا أنه لا يزال يدعم بطريقة غير مباشرة خزينة الحرب له عبر عقود الطاقة التي تتردد دول أوروبية في قطعها ووجود أثرياء روس استخدموا العواصم الأوروبية مثل لندن لغسل أموالهم القذرة.
ولا يزال بوتين خطيرا، بخاصة عندما يلوح بالخيار النووي الذي جاء بعضه من أوكرانيا بعدما وافقت على التخلي عنه في عام 1994 ضمن ما عرف بمذكرة بودابست وبضمان أمريكي وبريطاني. لكن الخيار النووي يظل كما قال المعلق خودارينوك “يبدو مسليا” عندما يكون كل العالم ضد روسيا.