منظمات السودان… قرارات فوقية وتضييق بلا مبرر
تخشى منظمات العمل التطوعي في السودان، أكانت أجنبية أم وطنية، من التعرض لحملة تضييق قد تمنعها من أداء مهماتها المجتمعية والإنسانية، بعدما أمر أحمد عثمان حمزة، والي الخرطوم، كبرى ولايات البلاد على صعيد كثافة السكان والتي تحتضن أكبر عدد من هذه المنظمات، رئيس مفوضية العمل التطوعي والإنساني خالد عبد الرحيم أحمد، بأن تضطلع بدورها كاملاً في مراقبة المنظمات المحلية والأجنبية، وإعادة تقويم أدائها خلال الفترة السابقة، مع منحه صلاحية سحب الترخيص من أي منظمة لا تعمل تحت راية المفوضية.
واعتبرت المنظمات أن أوامر حمزة جاءت من دون مبررات موضوعية أو ظروف آنية، ما أثار جملة تساؤلات عن دوافعها، واحتمال اعتماد ولايات أخرى نسق الرقابة ذاته، وخضوعها لأساليب تستعيد طريقة تعامل نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي لم يتردد طوال سنوات حكمه في تجميد عملها، أكانت محلية أو دولية، وبعضها نشطت في تقديم مساعدات إنسانية للنازحين المتأثرين بالحرب الأهلية والصراعات القبلية.صحة
وقد لعبت منظمات المجتمع المدني الوطنية، طوال سنوات، أدواراً مهمة في السودان المنكوب بالحروب الأهلية والنزاعات القبلية والتدهور الاقتصادي والمعيشي، وذلك بالتنسيق مع المنظمات الدولية. وساهمت في تقديم مساعدات ضرورية في مجالات عدة، مثل توفير المياه والغذاء والدواء، والحدّ من معدلات الفقر والأميّة وفي شكل أقل بتعزيز التعايش الاجتماعي ومعالجة آثار الحروب والنزاعات، وبناء القدرات.
منظمات “بلا أثر”
يقول الصادق علي حسن، عضو هيئة محامي دارفور، وهي منظمة للعمل التطوعي تعنى بشؤون الحقوق، لـ”العربي الجديد” إن “توجه والي الخرطوم ينطلق من معطيات أمنية، علماً أن المنظمات التي يتولى تعيينها ليست تابعة لسلطته بل لمفوضية الإعانة الإنسانية التي تخضع لإشراف وزارة الرعاية الاجتماعية الإتحادية”.
لكن فخر الدين جبارة، وهو ناشط أيضاً في مجال العمل التطوعي، فيرى في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “قرار ولاية الخرطوم إعادة تقييم عمل المنظمات سليم مائة في المائة، في ظل وجود أكثر من 10 آلاف منها في الخرطوم من دون لمح أي أثر لها على أرض الواقع، وعدم خضوعها لأي رقابة أو محاسبة إدارية ومالية، علماً أن غالبيتها تصنف تحت بند منظمة الرجل الواحد الذي يديرها، ويتخلف عن تقديم أي تقرير لمفوضية العمل الإنساني في ولاية الخرطوم”.
ويوضح جبارة أن “واقع الاختفاء الكامل للمنظمات المحلية تحديداً يظهر لدى حصول كوارث طبيعية تخلّف دماراً كبيراً في المنازل والمؤسسات، إذ لا تساهم أي منها في دعم المتأثرين وتترك الساحة بالكامل للمنظمات الدولية. من هنا تتأكد حقيقة أن العمل التطوعي كله يواجه ثغرات في التنظيم والمتابعة والمراقبة والمشاريع المنفذة، إلى جانب غياب التخصص، حيث لا توجد مثلاً منظمة متخصصة في الصحة أو في توفير وجبات الغذاء المدرسية والأدوية، أو محاربة الفقر. ولا بدّ من الإشارة إلى أن إحدى المشاكل التي تحرم السودان من الدعم الدولي والإقليمي تتمثل في أن أوضاع منظماته تتنافى مع الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة. كما تغيب الخطط والإحصاءات الخاصة بمحاربة الفقر في السودان، مشدداً على أهمية الرقابة في علاج كل جوانب الخلل، وأن تشمل مقار المنظمات، ومجالس الإدارات والمحاسبة، والتأكد من تنفيذ المنظمات مشاريع حقيقية”.
ويؤيد النائب السابق حسن عبد الحميد في حديثه لـ”العربي الجديد” فرضية ارتكاب منظمات العمل التطوعي تجاوزات تعلمها السلطات، ويقول: “أي دولة محترمة في العالم تلزم المنظمات بالقوانين واللوائح الخاصة بالعمل التطوعي لتدارك سلبيات تحوله إلى فوضى، ووسيلة لاختراق المجتمعات وإلحاق ضرر بالدولة. من هنا يجب ضبط عمل المنظمات لأن مخاطر تلك التي لا تلتزم بالقانون كثيرة، منها سياسية واستخباراتية تتعلق بالتجسس ومساندة فريق على حساب آخر في النزاعات القبلية، وأيضاً اقتصادية تتمثل في نهب ثروات البلاد، واجتماعية مثل تمزيق النسيج الاجتماعي وإدخال ممارسات غير معهودة تتعارض مع القيم والتقاليد”.
محاولة لإغلاق الفضاء المدني
في المقابل، يرى فيصل الذي ينشط في منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان، في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “والي الخرطوم يكشف بوضوح نيّة الحكومة الانقلابية المضي قُدماً في الاتجاه ذاته الذي سلكته الحكومة البائدة لنظام البشير، ما يعبر عن ضيق أفق السلطات الانقلابية في التعامل مع المنظمات، ويشكل محاولة لإغلاق الفضاء المدني الواسع الذي بدأت تتحرّك فيه هذه المنظمات بعد ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018.
يضيف: “لا شك في أنّ الخطوة التي أقدم عليها والي الخرطوم ترتبط بتوجيهات صارمة أصدرتها مفوضية الإعانة الإنسانية للعودة إلى أسلوب ونهج حكومة البشير في التعامل مع المنظمات بهدف تدجينها وقمعها، وإحكام السيطرة عليها. فالمشهد يستعيد القرارات التي اتخذتها حكومة البشير مطلع عام 2009 حين طردت عدداً من المنظمات الأجنبية، وأغلقت أخرى محلية، وحرمتها من حق ممارسة نشاطات إنسانية الذي تكفله مواثيق دولية أصبح السودان طرفاً فيها”.
ويؤكد أن “القرارات الفوقية الأخيرة ستؤثر على العمل الإنساني والتطوعي. والمؤسف أنّها تأتي في وقت أصبحت فيه الأزمة الإنسانية في أدنى الدرجات، خاصة مع تصاعد حدّة الصراع المسلح في إقليم دارفور الذي يشهد أيضاً تدهوراً مريعاً وسط العنف”. بيئة
يتابع: “الوضع الأمثل هو أن تعمل مفوضيات العمل الإنساني المحلية والإقليمي والقومي في إطار تنسيقي وليس تحكّمي، وأن يملك القضاء المستقل حق الرقابة. أما سيطرة مفوضية العمل التطوعي والإنساني على المنظمات، فيعتبر اتجاهاً ديكتاتورياً يجب التنبه لخطورته، وقد أثبتت التجارب السابقة أنّ محاولات التحكّم بالفضاء الإنساني والمدني يعيق تقديم الخدمات الإنسانية للفئات المجتمعية المستهدفة، والمتضررين من آثار الحرب، خاصة في معسكرات النزوح”.