آراء

جنوب السُّودان.. ماضيه وصيرورته (16 من 21)

✍️ الدكتور عمر مصطفى شركيان

shurkiano@yahoo.co.uk

مهما يكن من أمر سوينكا، ففي السُّودان هناك الراحل المحامي فاروق أبو عيسى، وهو الذي ذاع صيته في ليلة المتاريس إبَّان انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 1964م، حين حاول العسكر الارتداد بالانتفاضة الشعبيَّة والتلكؤ في المضي قُدماً نحو تحقيق مرامي الشعب السُّوداني، أو النكوص على العهد الذي قطعوه على ممثلي الشعب المنتفض ضد نظام الفريق إبراهيم عبود، وكان شعاره الهادر “إلى القصر حتى النصر”، حتى انبرى أبو عيسى يقود التظاهرة الشهيرة التي عُرفت ب”ليلة المتاريس” في 9 نشرين الثاني (نوفمبر) 1964م. هذا هو دور المثقف الملتزم بقضايا مجتمعه وعصره، وأن تكون فكرته وسيلة فعَّالة لتحقيق الوحدة بين الفكر والسلوك، وأن تمثل بعداً إنسانيَّاً في الكفاح ضد الاستعمار والانتصار للشعوب المقهورة. ثمَّ إنَّ هذا جزء من نضالات بعض المثقفين ضد الطغاة، واختيار الرفض في العيش تحت رحى السلطة مهما كانت المبرٍّرات أو المغريات.

الجدير بالذكر أنَّه في نهاية حكم الفريق إبراهيم عبود العسكري عقب انتفاضة 21 تشرين الأول (أكتوبر) 1964م أبقى رئيس الوزراء سر الختم الخليفة، الذي شكَّل الحكومة المدنيَّة، بعض السلطات للفريق إبراهيم عبود بعدما كان الجيش قد انسحب إلى الثكنات. إذ كانت حجة الحكومة المدنيَّة أنَّها لا تريد حدوث انهيار دستوري، أو أن يحدث ما من شأنه أن يؤخِّر ممارسة الحكومة سلطاتها التنفيذيَّة، وأنَّ ترك سلطات الأمن العام والدفاع وسلطات القضاء والتعامل مع الدول الأخرى من خلال قبول اعتماد السفراء للرئيس عبود يساعد على أن تسير الأمور بشكل طبيعي. كان ذلك الإجراء بمثابة خروج الجيش من الباب ليدخل بعد ذلك من الشباك، وبخاصة حين عُلم بأنَّ هناك بعض العسكريين الذين لهم تطلعات إلى استمرار الحكم العسكري في الحكومة الجديدة، وكان يرى هذا البعض أنَّ عمليَّة تغيير طفيفة تشمل أعضاء مجلس السيادة من شأنها أن تجعل هذا المجلس يستمر. اجتمع رئيس الوزراء سر الختم الخليفة مع الضباط المتواجدين في العاصمة. وفي ذلك الاجتماع قدَّم الضباط عريضة تطالب بتطهير الجيش من الضباط الذين كانوا يتعاونون مع المجلس العسكري. وعندما نوقشت العريضة في مجلس الوزراء وجد من يرفض مبدأ التطهير على أساس أنَّ بعض الضباط المطلوب إبعادهم عن الجيش يمتُّون بصلات حزبيَّة أو عائليَّة إلى بعض الوزراء. وإزاء انقسام مجلس الوزراء وعدم الأخذ بما طالب به الضباط صدر قرار باعتقال عدد من الضباط، الذين اتصلوا بقواعدهم في الخرطوم، وتحرَّك هؤلاء وتوجَّهوا إلى الإذاعة، وأذاعوا في الناس ما يفيد بأنَّ القواعد العسكريَّة التي قامت بالثورة قد اعتقلت، وإنَّ ذلك أمر جديد على ثورة أكتوبر. وبمجرَّد أن أذيع ذلك جرت تظاهرات ضخمة، وكان يوماً مشهوداً سُمِّي ب”يوم المتاريس”، حيث أغلقت الجماهير كل الطرقات التي تؤدِّي إلى الخرطوم وأم درمان.

للمقال بقايا باقيات،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى