مؤتمر لتفكيك نظام البشير… ولجنة إزالة التمكين المجمّدة تحدثت عن معوقات بينها «الدولة العميقة»
الخرطوم ـ «القدس العربي»:
انطلق في السودان، أمس الإثنين، مؤتمر حول إزالة تمكين نظام الرئيس السابق عمر البشير، حيث أكد قيادي في لجنة إزالة التمكين التي ستسلم ملفاتها للجنة جديدة، ضمن ترتيبات الاتفاق الجديد بين المدنيين والعسكر، أن اللجنة السابقة «كانت جسما ثوريا»، تعمل «وسط محيط بيروقراطي مقيد بالكثير من القوانين واللوائح والوجود الكبير للدولة العميقة».
والمؤتمر يستمر 4 أيام، ويناقش قضايا الفساد والتمكين خلال 3 عقود (نظام الرئيس المعزول عمر البشير) والأبعاد السياسية لعملية تفكيك نظام المؤتمر الوطني (الحاكم السابق)، وتجربة لجنة تفكيك نظام 30 من يونيو/ حزيران.
كما يناقش الإطار القانوني الحاكم لعملية التفكيك والتجربة الإقليمية والتعامل مع قضايا الفساد واسترداد الأصول والأموال المنهوبة داخلياً وخارجياً، والإجراءات والاستئنافات المتعلقة بسيادة حكم القانون في عملية التفكيك.
وتناقش بقية جلسات مؤتمر التفكيك الإطار القانوني لتفكيك النظام السابق، واستعراض التجارب الإقليمية والدولية المشابهة، للمقارنة بينها وبين التجربة السودانية والعمل على تطوير هذه العملية.
وعقب الجلسات المفتوحة، ستنعقد مجموعات عمل مغلقة، تضم خمس مجموعات، لوضع الإطار النهائي للمعايير والمبادئ الخاصة بالتفكيك والآثار المترتبة عليه واليات ومجالات تنفيذ التفكيك والمؤسسات المستهدفة، بالإضافة إلى الفساد واسترداد الاصول المنهوبة والإجراءات والاستئنافات المتعلقة بسيادة القانون والتفكيك في القطاعات ذات الخصوصية.
وتفكيك نظام 30 يونيو/حزيران 1989 بين القضايا الخمس المضمنة في الاتفاق السياسي النهائي، وهي إلى جانب العدالة والعدالة الانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، مراجعة وتقييم اتفاق السلام، وقضية شرقي السودان.
والأحد، بدأت المرحلة النهائية للعملية السياسية بين الموّقعين على الاتفاق الإطاري من المكون العسكري والقوى المدنية للوصول إلى اتفاق سياسي نهائي وعادل.
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقع المكون العسكري «اتفاقا إطاريا» مع المدنيين بقيادة قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق)، وقوى سياسية أخرى (الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، المؤتمر الشعبي)، ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى حركات مسلحة لبدء مرحلة انتقالية تستمر لمدة عامين.
تهيئة المناخ السياسي
وخلال مؤتمر الأمس، أكد المتحدث باسم العملية السياسية في السودان، خالد عمر، على أهمية تهيئة المناخ السياسي في البلاد وتوجيه الروح العامة للوصول لاتفاق نهائي، لاسترداد مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وقال إن جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية، «تستشعر التحديات الراهنة في السودان وأهمية عامل الزمن وضرورة الوصول إلى اتفاق نهائي ينهي الأزمة السياسية الراهنة في السودان».
وأوضح أن جلسات مؤتمر التفكيك ستستمر حتى الخميس، مبينا أن جلسات أمس «شملت قضايا الفساد والتمكين، والأبعاد السياسية لتفكيك النظام الثلاثين من يونيو، وتجربة لجنة إزالة التمكين قبل الانقلاب».
وحسب قوله «ستكون هناك لجنة للصياغة ستتولى استلام ملخصات المداولات التي ستقوم بإعدادها السكرتارية، والتي على أساسها سيتم إعداد وثيقة شاملة في نهاية المؤتمر تتضمن النص الخاص بتفكيك النظام السابق في الاتفاق النهائي وخريطة الطريق لتجديد تفكيكه، ومقترحات التعديلات في قانون الخاص بازالة التمكين والتي ستدرج وتناقش عند استئناف الانتقال».
المتحدث باسم العملية السياسية في السودان يؤكد تهيئة المناخ السياسي للوصول لاتفاق نهائي
وبيّن أن عدد المشاركين في مؤتمر التفكيك بلغ 250 شخصا، 40 ٪ منهم من القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، والبقية من غير الموقعين، من تنظيمات مدنية وسياسية وقوات نظامية ومفكرين وخبراء قانونيين وكيانات أهلية مختلفة، مشيرا إلى أن الهدف من ذلك هو أن يخلص المؤتمر إلى «مخرجات تتسم بالشمول وتعبر عن أوسع قاعدة من السودانيين».
خطوات مقبلة
وعقب انتهاء المؤتمر «ستقوم الآلية التنسيقية المشتركة بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري والآلية الدولية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد، والتي تعمل على تنظيم المرحلة النهائية من العملية السياسية، بالإعلان عن الخطوات المقبلة، بما يتضمن مجموعات العمل الخاصة ببقية القضايا المؤجلة أي إصلاح المؤسسة العسكرية والعدالة الانتقالية وتعديل اتفاق السلام بالإضافة إلى قضايا شرق السودان».
وأكد عمر «حرصهم على أن تتسم مجموعات العمل الخاصة ببقية القضايا، بأكبر قدر من الشمول ومشاركة أصحاب المصلحة والمعنيين»، مشيرا إلى «أهمية الدعم الدولي والإقليمي للعملية السياسية»، الذي اعتبره «واحدة من ثمرات الثورة السودانية التي أعادت التواصل مع المجتمع الدولي والإقليمي بعد عقود من العزلة الدولية التي ضربت البلاد في عهد النظام السابق».
وقال إن «الفرصة الآن مفتوحة أمام السودانيين للاندماج والتكامل والتعاون مع المجتمع الدولي، لتحقيق مصالح البلاد العليا».
أما عضو المجلس السيادي السابق ونائب رئيس لجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ، محمد الفكي، فقد أكد خلال المؤتمر «عدم مشاركة قيادات لجنة إزالة التمكين في المرحلة المقبلة من الانتقال».
وقال خلال جلسة خاصة بتجربة لجنة إزالة التمكين في المرحلة الانتقالية، إن «استعادة مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد ما كان ممكنا لولا التضحيات التي قدمها السودانيون، عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية وبدد كل المجهودات التي بذلتها لجنة إزالة تمكين النظام السابق».
الإخفاقات والقصور
وأكد على أن «البدايات الجديدة تستلزم الحديث بصراحة وصدق، لتعود عملية التفكيك أكثر قوة ومتانة وتصلح كل ما أخفقت فيه اللجنة السابقة».
وشدد على «أهمية الوقوف على الإخفاقات والقصور ومواطن الضعف والفرص الضائعة خلال فترة عمل لجنة إزالة التمكين قبل الانقلاب، وعما يمكن أن يجعل عملية التفكيك أفضل».
وأشار إلى أن لجنة إزالة التمكين «كانت الأكثر حسما والأسرع إيقاعا في فترة الحكومة الانتقالية السابقة، وذلك أوقعها في العديد من الاشكالات والانتقادات»، لافتا إلى أنها «كانت جسما ثوريا وسط محيط بيروقراطي مقيد بالكثير من القوانين واللوائح والوجود الكبير للدولة العميقة».
وأكد أن «الكثير من التحديات التي واجهتها اللجنة كانت لأنها جسم مختلف»، مشيرا إلى «ضرورة العمل على أن تكون أكثر اتساقا مع أجهزة الدولة في المرحلة الانتقالية المقبلة».
ميزانية شحيحة
وبيّن أن «قادة لجنة التمكين لن يكونوا موجودين في المشهد المقبل، وسيفسحون المجال لآخرين»، مؤكدا أنهم «سيقدمون كل الملفات والمعلومات المطلوبة لتفكيك النظام السابق للقائمين على التفكيك في المرحلة المقبلة».
وأضاف: «سنعمل مع اللجنة المقبلة وسنملكها الملفات ونفيدها من تجربتنا القليلة وكيف قمنا ببناء هذه اللجنة من الصفر، وكيف كانت تعمل بميزانية شحيحة، لم تكن تكفي لتكلفة مياه وكهرباء مقر اللجنة»، مشيرا إلى أن «ضعف الميزانية لم يمكنهم من استقطاب الخبراء والمتمرسين، وأن اللجنة كانت تعمل بجهد الثوار ولم تستطع توظيف كفاءات الصف الأول المميزة لأنها لم تكن لها ميزانية كاملة مرصودة».
ودعا إلى ضرورة أن «تعمل اللجنة المقبلة في أوضاع أفضل وأن ترصد لها الميزانية اللازمة والخبراء الأكفاء لتفكيك دولة الحزب الواحد وإعادتها للسودانيين»، في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، وتمكين كوادره في أجهزة الدولة.
وقال إن «لجنة إزالة التمكين على الرغم من المصاعب التي واجهتها حققت العديد من الإنجازات، الأمر الذي جعل كل الشعب السوداني يلتف حولها».
وزاد: «هذا الالتفاف وحده هو الذي حماها من الكثير من المطبات والمتربصين، بينما كاد العديد من التقاطعات السياسية أن يعصف بها خلال فترة الانتقال السابقة».
وأضاف: «اللجنة كانت محمية بالشارع السوداني، لكنها في المقابل كانت محاطة بالكثير من التعقيدات داخل الحكومة لطبيعة التحالف والنظام السياسي المبني على الشراكة والتقاطعات المختلفة».
متحررة من القيود
وأكد أن «لجنة التفكيك المقبلة ستتحرر من تلك القيود لجهة أنها ستأتي في عهد لا توجد فيه شراكة مع العسكر، وإنما حكومة مدنية كاملة»، مشيرا إلى إنها «لن تبدأ من الصفر وستجد العديد من الملفات الموجودة لتعمل عليها».
وبين أن أهم أهداف مؤتمر التفكيك «الاستفادة من التجربة السابقة والتأسيس لتجربة التفكيك المقبلة بأفضل ما يمكن من أجل استعادة المسار الديمقراطي في البلاد».
وشدد على أن السودان «لن يستقر ما لم تتحقق فيه الديمقراطية والعدالة والتي لن تتحقق ما لم يحاسب الجميع على ما مضى من قتل ومن سرق ونهب»، مشيرا إلى أن «لجنة إزالة تمكين النظام السابق إحدى أهم أذرع تلك المحاسبة باستردادها كل ما نهب من أموال وقيامها بعملية تفكيك دولة الإسلاميين العميقة وسيطرتها الكاملة على أجهزة الدولة عبر الفحص المؤسسي».
وأنشئت لجنة إزالة التمكين في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بقرار سيادي، إنفاذاً لقانون أقره مجلس الوزراء، لتفكيك نظام عمر البشير وحظر نشاط قياداته ومصادرة أموالهم.
ووفق القرار، تم تعيين العضو العسكري في مجلس السيادة ياسر العطا، رئيسا للجنة، والعضو المدني في المجلس محمد الفكي نائبا له، ووزير شؤون مجلس الوزراء عمر مانيس مقررا، والذي حل محله الوزير الذي أعقبه خالد عمر، بالإضافة إلى أعضاء من وزارات الدفاع والداخلية والعدل والمالية والحكم الاتحادي، فضلا عن ممثلين عن البنك المركزي وديوان المراجع القومي والمخابرات العامة و«الدعم السريع» وقوى «الحرية والتغيير».
ونالت لجنة التمكين شعبية واسعة باعتبار مهامها المتعلقة بتفكيك نفوذ نظام الانقاذ (النظام السابق)، وقامت بكشف ومصادرة أموال وشركات وأصول ضخمة للنظام السابق والموالين له.
إلا أن الخلافات بدأت تتسع بين اللجنة والمكون العسكري، قبيل الانقلاب العسكري، في وقت أشارت فيه إلى تورط نافذين في السلطة مع قادة نظام البشير في جرائم فساد وضرورة عائدية شركات الجيش للخزينة العامة للدولة.
وبعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول على الشراكة الانتقالية، أعلن البرهان تجميد عمل لجنة إزالة التمكين وأصدر لاحقا قرارا بتكوين لجنة لمراجعة واستلام الأموال المستردة من اللجنة.
وبعد الانقلاب شرعت السلطات في إعادة كوادر نظام عمر البشير لمؤسسات الدولة، وإعادة أموال النظام السابق والموالين لهم، كما أطلقت سراح رئيس الحزب، إبراهيم غندور وعدد من قيادات النظام السابق.
ومن المنتظر عودة نشاط لجنة إزالة التمكين، عقب توقيع الإتفاق الإطاري، بين عدد من التنظيمات المدنية والعسكر في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي وضع تفكيك نظام الإنقاذ ضمن القضايا الاستراتيجية الخمس التي تشمل كذلك إصلاح المؤسسة العسكرية وتحقيق العدالة الانتقالية، وتعديل إتفاق السلام 2020 بالإضافة إلى قضايا شرق السودان.