أخبار

آلاف السودانيين يعتصمون في الخرطوم ومدن أخرى للمطالبة بإسقاط الانقلاب

الخرطوم ـ «القدس العربي»: ظلت الحشود أمام مستشفى الجودة، وسط الخرطوم، في تزايد مطرد، منذ إعلان لجان المقاومة الاعتصام هناك، مساء الخميس الماضي، بعد يوم دام، سقط خلاله 9 قتلى ومئات الجرحى برصاص الأجهزة الأمنية، خلال قمعها التظاهرات الحاشدة في الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي.
ومع بداية اعتصام الجودة، حيث تتعالى الهتافات المنددة بالانقلاب، ظلت الأسر التي تسكن على مقربة منه، منهمكة في تقديم الأطعمة والمشروبات للمعتصمين. محمد عمر ورفاقه، كانوا جلوساً على الأرض، يناقشون الوضع الراهن في البلاد وآمالهم في الحكم المدني الديمقراطي.
وقال محمد عمر (20 عاما) لـ«القدس العربي» إنهم «سيظلون يعتصمون ويتظاهرون حتى إسقاط الانقلاب وإقامة الحكم المدني» مشيرا إلى أن «الاعتصام وأساليب المقاومة الأخرى من إضراب وعصيان مدني الهدف منها شل حركة الانقلاب الذي بات سقوطه قريبا».
أما حسام الطيب (25 عاما) فهو موجود في الاعتصام منذ لحظة خروج جثامين ضحايا تظاهرات الخميس، وأكد لـ«القدس العربي» أنه لن يخرج من الاعتصام حتى سقوط الانقلاب.
وأضاف: «بعد سقوط 113 شهيدا نحن لسنا خائفين من الموت ونعلم أن لا حياة في ظل حكم العسكر».
فيما قال سهيل عثمان (20عاما) لـ«القدس العربي» : «نحن نتبع مع السلطات سياسة النفس الطويل، وسنواصل الضغط وسنسقط هذا الانقلاب عاجلا أم آجلا».
وأضاف: «سنواصل الاعتصامات والضغط الجماهيري وإغلاق الكباري، ونعلم أن السلطات ستحاول اختراق الاعتصام، أو الهجوم عليه ونحن مستعدون في كل الأحوال». وأكمل: «حتى لو فضوا هذا الاعتصام، سنعود مرة أخرى».
وبدأ التجمع أمام مستشفى الجودة، خلال إسعاف الجرحى ونقل القتلى للمستشفى الناشط في علاج مصابي التظاهرات، وسط غضب جماهيري واسع في مدينة الخرطوم.
في الأثناء، استطاع المتظاهرون القادمون من مدينة أمدرمان غربي الخرطوم، لأول مرة، إزاحة الحاويات التي اعتادت السلطات إغلاق الجسور بها خلال التظاهرات. وعلى الرغم من سقوط 6 قتلى في مدينة أمدرمان ومئات الجرحى، خاصة أمام مبنى البرلمان السوداني، القريب من جسر النيل الأبيض الرابط بين أمدرمان والخرطوم، استطاع المتظاهرون العبور إلى الخرطوم، حيث شكلوا نواة الاعتصام أمام مستشفى الجودة.
وبينما شهدت المنطقة تحركات أمنية واسعة لفض الاعتصام، ليلة الخميس وصبيحة الجمعة، تداعت لجان المقاومة والمواطنون إلى مقر الاعتصام الذي توسع من تقاطع محطة الغالي إلى محطة حجازي وسط الخرطوم، وقالت لجان المقاومة إنه سيتواصل حتى إسقاط الانقلاب.
وأعلنت لجان مقاومة ـ حي الديم، وسط الخرطوم، دعمها للاعتصام الذي يشهد حضورا حاشدا أمام مستشفى الجودة، القريب من الحي، والذي شهد تشييع عدد من جثامين الذين سقطوا برصاص الأجهزة الأمنية في تظاهرات 30 يونيو/ حزيران.
وبالتزامن مع اعتصام مستشفى الجودة، تشكل اعتصامان في مدينة أمدرمان، بالقرب من منزل الزعيم السوداني الراحل إسماعيل الأزهري، أول رئيس وزراء سوداني بعد استقلال البلاد، وفي شارع «الشهيد عبد العظيم» والذي يحمل اسم أحد ضحايا التظاهرات في عهد نظام عمر البشير، والذي قتلته الأجهزة الأمنية برصاصة في الصدر وهو يقف وحيدا رافعا علامة النصر في وجه المدرعات العسكرية، ليصبح رمزا للمقاومة الشعبية في السودان.
ومساء، السبت، أعلنت تنسيقيات لجان مقاومة مدينة بحري شمالي العاصمة السودانية الخرطوم، الاعتصام في منطقة المؤسسة، والتي شهدت في نوفمبر/ تشرين الثاني سقوط 13 قتيلاً في تظاهرة واحدة، والتي أصبحت لاحقا من مراكز الحراك الشعبي البارزة في البلاد.
وفي إطار دعوات الاعتصام في جميع المدن السودانية، أعلنت تنسيقيات لجان مقاومة مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، أمس الأحد، الانضمام إلى ركب الاعتصامات في المدن السودانية المختلفة، تمهيدا للدخول في العصيان المدني والإضراب الشامل.

تظاهرات «ملحمية»

وقالت، في بيان، أمس، إنها ستبدأ غدا الثلاثاء «اعتصاما جزئيا أمام برج العمال حتى تقاطع المحطة، وذلك في إطار الاعتصامات الواسعة التي تشهدها المدن السودانية المختلفة والتي ستتواصل حتى إسقاط الانقلاب».
وأكدت أن «التظاهرات الملحمية التي شهدتها مدن السودان المختلفة في الثلاثين من يونيو/ حزيران، ستمثل علامة فارقة لاستعادة الدولة السودانية من العسكر والميليشيات وقادة الحرب ونسج ملامح الديمقراطية والحكم المدني عبر التصعيد المفتوح ووسائل المقاومة المتنوعة».
وكانت لجان مدينة ود مدني، التي تعد من أبرز المدن المشاركة في الحراك الشعبي الرافض للانقلاب، قد أعلنت عصيانا مدنيا جزئيا، تمهيدا للعصيان المدني الشامل.

مركز «تنسيق ميداني»

وفي ظل الحراك الشعبي المتسارع، أعلن المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» الشروع في مخاطبة لجان المقاومة والقوى السياسية والمهنية المناهضة للانقلاب، للعمل الفوري على تكوين مركز تنسيق ميداني موحد يتولى مهمة التحضير لمواصلة تصعيد العمل الجماهيري والإعداد للعصيان المدني الشامل.

بعد سقوط قتلى برصاص الأمن خلال تظاهرات الخميس

وأكد على أن «الانقلاب ولد ضعيفاً منذ ساعته الأولى ولم يكن بإمكانه الاستمرار لولا تأخر القوى الثورية التي قاومته في تشكيل جبهة مدنية ديمقراطية موحدة تشكل مركزاً للتنسيق والقيادة السياسية والميدانية».

وشدد، في بيان، على أن «بناء جبهة مدنية موحدة على أساس تنسيقي بين كل قوى الثورة، هو واجب الساعة الذي يجب إنجازه دون تأخير، وأنه الشرط اللازم لهزيمة الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الكاملة على أنقاضه».
أما الحزب الشيوعي السوداني، فقد دعا لتكوين «المركز الموحد للتغيير الجذري الشامل لتحقيق السلام والعدالة والوحدة» مؤكدا أن العامل الحاسم في انتصار الثورة السودانية هو استمرار المواكب الهادرة التي ملأت الشوارع، واستكمالها بالإضراب السياسي والعصيان المدني العام الذي يهدف إلى شل حركة الدولة وحرمان العسكر من الموارد وعدم استخدامها آليات العنف وأعمال القتل وسط قوى الثورة ومن ثم إجبارها على تسليم السلطة للشعب.
وقال، في بيان، إن «تحقيق انتصار الثورة الكامل سيتم حال هزيمة» ما وصفه بـ«مشروع تسوية الآلية الثلاثية المشتركة لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والإيغاد، والتوجه نحو التغيير الجذري عبر قيادة جماعية تمثل قوى الثورة الحية، وتتمثل في جسم تنسيقي لتلك القوى على مستوى المركز والولايات، لتنسيق العمل المشترك لإسقاط الانقلاب واتخاذ قرارات تشكيل المؤسسات الدستورية بعد إسقاطه».
ويتشكل المركز القيادي الموحد، حسب الحزب الشيوعي، من «الأحزاب والأجسام السياسية والمجتمعية والنقابية ومن الأجسام الجماهيرية والأحزاب التي المؤمنة ببرنامج الحل الجذري بالإضافة إلى الاتحادات والتجمعات النقابية، والحركات المسلحة المساندة للتغيير الجذري».
وأكد على «ضرورة تشبيك تنسيقيات المراكز الموحدة للولايات مع احتفاظ كل مركز ولاية باستقلاليته لقيادة العمل المشترك الحراك الجماهيري المطلبي متعدد الأشكال للنقابات والقوى العاملة».

تأجيل زيارة للبرهان

في خضم تصاعد الأحداث السياسية، أجّل القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، زيارة كانت مقررة أمس الأحد، إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور للمشاركة في تخريج الدفعة الأولى من القوات الخاصة لحماية المدنيين في دارفور.
وأتى تأجيل الزيارة إلى الفاشر التي وصلها نائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي» في ظل تصاعد التظاهرات والاعتصامات في المدن السودانية المختلفة، المطالبة بإسقاط الانقلاب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي.
وكانت لجان مقاومة مدينة الفاشر قد أعلنت رفضها لزيارة البرهان و«حميدتي» للمدينة، واصفة قادة الحركات المسلحة بـ«الخونة» مؤكدة أنهم «باعوا قضايا إقليم دارفور من أجل المناصب».
واعتبرت اللجان عملية الترتيبات الأمنية لحماية المدنيين في دارفور «خدعة للتغطية على الجرائم البشعة التي تحدث هناك».
وأضافت: «لا يمكن لمن حرق واغتصب وهجر المواطنين العزل من مناطقهم أن يصنع سلاما أو يحافظ على ترتيبات أمنية».
في الموازاة، لا يزال «حميدتي» يواصل زيارة طويلة، بدأها منذ نحو أسبوعين لإقليم دارفور، عقد خلالها لقاءات عديدة مع مجموعات عشائرية، دون إبداء أسباب واضحة للزيارة، بينما أكدت تقارير محلية وجود خلافات داخل مكونات السلطة العسكرية في السودان.
والسبت، توجّه رئيس البعثة الأممية، فولكر بيرتس، إلى دارفور، حيث التقى «حميدتي».
وقالت البعثة، في بيان، إن الزيارة تأتي في إطار متابعة عملية الترتيبات الأمنية، إلا أن بيرتس عاد إلى الخرطوم دون حضور تخريج الدفعة الأولى من القوات الخاصة لحماية المدنيين في دارفور، أمس الأحد.
ومنذ تظاهرات الخميس الدامية، شهدت البلاد تصاعدا متسارعا للحراك الشعبي، في وقت دعت لجان المقاومة للاعتصام في كل مدن وقرى البلاد حتى إسقاط الانقلاب، تحت شعار «مدن السودان تعتصم».
وندد المجتمع الدولي بالقمع العنيف لتظاهرات الخميس الماضي، وقال الاتحاد الأوروبي في بيان إن «أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن السودانية مرة أخرى ضد المتظاهرين وأدت لسقوط قتلى بينهم طفل غير مقبولة على الإطلاق» مؤكدا أن ما «حدث يُظهر أن السلطات العسكرية في السودان ليست على استعداد لخلق بيئة مواتية للحوار، مع مقتل 113 شخص منذ بداية الانقلاب».
وشدد البيان على أن «الوقت قد حان للاستماع إلى مئات الآلاف من السودانيين الذين يريدون الحرية والسلام والعدالة».

إدانة للقمع

كما أدانت الآلية الثلاثية المشتركة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي و«إيغاد» استخدام القوات الأمنية القوة المفرطة في مواجهة التظاهرات، مشيرة إلى أن تقييد شبكات الإنترنت والاتصالات يعتبر كذلك انتهاكا لحرية التعبير والوصول للمعلومات.
وأعربت في بيان، عن خيبة أمله إزاء استمرار استخدام القوة المفرطة من قبل قوات الأمن وانعدام المساءلة عن هذه الأعمال على الرغم من الالتزامات المتكررة من جانب السلطات.
وجددت الدعوة للسلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العنف ووضع حد للاعتقالات التعسفية واحترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، مؤكدة على ضرورة إجراء تحقيقات موثوقة في جميع حوادث العنف.
وقدمت مجموعة «محامو الطوارئ» الناشطة في تقديم العون القانوني لضحايا الانقلاب مذكرة للنائب العام، نددت خلالها بالانتهاكات في تظاهرات 30 يونيو/ حزيران والأوضاع المتردية للمعتقلين.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نفذ العسكر انقلابا على الحكومة الانتقالية، التي تشاركها المدنيون والعسكريون لأكثر من عامين، وأعلن البرهان تجميد العديد من البنود الخاصة بالشراكة بين الجانبين في الوثيقة الدستورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى